علاقات الرئيس دونالد ترامب- منذ يومه الأول في السلطة- بمجتمع الاستخبارات الأميركي غريبة وأحياناً متوترة. وغالباً، طعن الرئيس ومساعدوه السياسيون في أمانة ونزاهة الاستخبارات، مدمرين مكانتها الاعتبارية ومقللين من شأن مهمتها وجاعلين من التحديات السرية الصعبة بالفعل التي تواجه بلادنا أكثر صعوبة. لكن الرئيس ووزير العدل «وليام بار» يقتحمان مرحلة جديدة من تطور هذه العلاقة بوضع حكم تحليلي لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. أيه.)- الذي توصل إلى أن أحد أهداف روسيا من التدخل في انتخابات عام 2016 هو مساعدة المرشح الجمهوري في ذاك الوقت دونالد ترامب- في مرمى استهداف وزارة العدل كما ذكر ذلك عدد من المنظمات الإعلامية.
ولا غضاضة لدى كاتب هذه السطور في فحص وزارة العدل لمدى التزام «سي. آي. أيه» ووكالات الاستخبارات الأخرى بمسؤولياتها القانونية والتنظيمية في كيفية التعامل مع أي معلومات تتعلق بالأشخاص والمواطنين الأميركيين. فهناك قواعد صارمة تحكم هذا الشأن، وأهمها ما أقره عدد من النواب العموميين عبر مرور الزمن. وفي بيئتنا السياسية الاستقطابية سيكون من المفيد لديمقراطيتنا أن يعرف المواطنون مدى الالتزام بالقواعد.
ولا احتج هنا أيضاً على أنه يجب أن تكون أحكام «سي. آي. أيه» التحليلية فوق الفحص وإعادة النظر. فقد حدث هذا الفحص بالفعل وأجرت لجان الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والنواب عمليات إعادة نظر في التحليل. ووصفت لجنة من الحزبين في مجلس النواب التحليل إجمالاً بأنه «منتج استخباراتي سليم». وانقسمت الآراء في لجنة مجلس النواب من الحزبين بشأن مسألة الحكم المحدد بشأن نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مساعدة ترامب. لكن ما احتج به هو أن وزارة العدل لا شأن لها بمراجعة الحكم التحليلي لوكالة الاستخبارات المركزية، والفكرة برمتها غير ملائمة وخطيرة. كما أنها غير مسبوقة بالتأكيد وهناك أسباب جيدة لعدم وجود سابقة لها.
وكاتب هذا المقال يكن احتراماً كبيراً لجون ديرهام النائب الأميركي للدائرة الرابعة في «كونتيكت» الذي اختاره «بار» لإجراء الفحص. وصحيح أن «ديرهام» على دراية بشؤون «سي. آي. أيه» من التحقيقات السابقة، لكن ليس لديه ولا لدى فريقه خبرة أو دراية بعملية تحليل المعلومات الاستخباراتية نفسها. وهو وفريقه يستطيعون فرض معيار في تنفيذ القانون صعب تحقيقه على خلاصة المحللين. وهذا سيخلق عبء تقديم دليل، وهو ما قد يكون صائباً في محكمة قانونية، لكنه سيكون خطيراً وغير حكيماً في تقييم استخباراتي يستهدف اتخاذ قرار في الوقت الآني.
وهناك نتيجة خطيرة بالمثل لمراجعة وزارة العدل للتحليل وهو التأثير المروع المحتمل على المحللين والتحليل. فمن باب الحيطة، سيطلب أي محلل يقابل محققي ديرهام محامياً شخصياً بجانبه، ربما تكون هذه هي المرة الأولى على الأرجح لعدد كبير من المحللين، إن لم يكن كلهم. وهذا سيجري مراقبته عن كثب في مجتمع الاستخبارات. واحتمال أن يطرح ادعاء وزارة العدل أسئلة عن كيفية توصل محلل ما لخلاصة بعينها- إلى جانب فكرة أنه قد تكون هناك عواقب قانونية ناجمة عن هذا- قد يدفع المحللين إلى الامتناع عن تقديم أحكامهم أو يقررون أن المهنة ليست ملائمة لهم. وبهذا نخسر، كأمة، في كلا الحالين.
ولو بدلنا المقاعد- أي أن يُطلب من مسؤول استخباراتي بارز أن يفحص قرارات أصدرها مكتب التحقيقات الفيدرالية- كيف سيكون رد فعل المدعي العام؟ رد الفعل سيكون احتجاجاً مرتفع الصوت بلا شك. وهناك اعتقاد خاطئ فيما يبدو شائعاً بين بعض الناس يشير إلى أنه لولا توصل المحللين إلى نتيجة مفادها أن بوتين حاول مساعدة ترامب لما كان هناك تحقيق بشأن الاستخبارات المضادة من (إف. بي. آي) في حملة ترامب. وهذا الاعتقاد لا محل له وليس هناك على الأرجح صلة بين حكم من محللي مجتمع الاستخبارات وقرار من مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن فتح قضية للاستخبارات المضادة. فالاثنان منفصلان تماماً على الأرجح.
والحكم التحليلي بشأن نوايا روسيا جاء فيما يبدو بعد فتح تحقيقات الاستخبارات المضادة. وإذا كان الأمر كذلك، فما كان هذا أساساً لإجراء التحقيق. وإجراء فحص تقوده وزارة العدل بشأن جودة تحليل استخباراتي يمثل إضعافاً آخر لمجتمع الاستخبارات كمؤسسة. والبلاد قد تدفع ثمن هذه النوعيات من القرارات لسنوات قادمة.
*نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. أيه) بين عامي 2010 و2013
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»