شهد عدد اللاجئين الذين يعبرون البحر المتوسط انخفاضاً حاداً منذ عام 2015، لكن قضية الهجرة ما زالت تؤثر في النقاش العام في أوروبا.
من ناحية، تجادل أحزاب اليمين المتطرف، مثل حزب «رابطة الشمال» في إيطاليا وحزب «التجمع الوطني» في فرنسا، بأن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه تحمل فتح حدوده لأن فرص العمل وحماية الرفاهية يجب أن تذهب إلى المواطنين الأصليين أولاً. ويرى العديد من الاقتصاديين العكس، وهم على حق من وجهة نظري، حيث يقولون إن الهجرة ضرورية للمساعدة على حل الأزمة الديموغرافية للاتحاد الأوروبي.
ووفقاً لـ «تقرير الشيخوخة» الصادر عن المفوضية الأوروبية لعام 2018، سيكون هناك شخصان فقط في سن العمل أمام كل متقاعد في الاتحاد الأوروبي (باستثناء المملكة المتحدة) بحلول عام 2060 – مقابل أكثر من ثلاثة أشخاص في 2016. وسيكون العمال المهاجرون من الشباب ضروريين إذا كانت الحكومات الأوروبية تريد الاستمرار في رفع الضرائب بما يكفي لدفع تكاليف المستشفيات والرعاية الاجتماعية والمعاشات التقاعدية.
وقدم النقاش خلال المؤتمر السنوي للبنك المركزي الأوروبي في سينترا، البرتغال، دليلاً مفيداً على هذا السؤال المحير حول ما إذا كانت هناك حاجة إلى المهاجرين لمساعدة الاتحاد الأوروبي. والإجابة هي أنه في حين أنه لا يجب المبالغة في تقدير دورهم الإيجابي، فإنه ليس هناك سوى عدد قليل من البدائل القابلة للتطبيق.
وتناول «اكسيل بورش-سوبان»، خبير اقتصادي في مركز ميونيخ لاقتصاديات الشيخوخة، الوضع في ألمانيا بالتفاصيل. ووفقاً لتقديره، فإن نسبة الاعتماد على كبار السن (عدد الألمان المتقاعدين بالنسبة لكل شخص في سن العمل) سترتفع من 0.35 إلى أكثر من 0.60 خلال الفترة من 2016 -2060، إذا ظلت معدلات الهجرة الصافية للبلاد على المدى الطويل 200.000 قادم كل عام. والإبقاء على النسبة ثابتة عند 0.35 يتطلب معدل هجرة صافياً يبلغ حوالي 1.2 مليون شخص سنوياً، على مدار الخمسة عشر عاماً القادمة.
ويبدو أن هذه التوقعات تثبت أن ألمانيا – والاتحاد الأوروبي على نطاق أوسع – بحاجة إلى المزيد من المهاجرين أكثر من المسموح به اليوم. لكن السياسة لن تسمح بهذا. في عام 2015، قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بفتح الباب أمام نحو مليون لاجئ، لتفوز بالثناء العالمي، لكنها أثارت ردود فعل عنيفة في الداخل، والتي شجعت على ظهور حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف كقوة انتخابية.
ووافقت ميركل، منذ ذلك الحين، على وضع حد أقصى للاجئين يبلغ 200 ألف سنوياً، وانخفض عدد طالبي اللجوء المسجلين من نحو 890.000 في 2015 إلى ما يقرب من 162.000 في 2018، وفقاً لوزارة الداخلية الألمانية. وبطبيعة الحال، فإن طالبي اللجوء ليسوا سوى نوع واحد من الهجرة. فالعديد من الناس ينتقلون لأسباب اقتصادية. وقد بلغ إجمالي الهجرة الصافية في ألمانيا أكثر قليلاً من 400.000 في 2017. وفي حين أن هذا عدد مرتفع بالمعدلات التاريخية، لكنه أقل بشكل كبير من الزيادة التي شهدها عام 2015 وبلغت 1.14 مليون. وبعد رد فعل الناخبين على مبادرة ميركل في عام 2015، من الصعب تخيل أن تقبل ألمانيا عدداً أكبر من القادمين مما تفعل الآن.
وبينما تقف السياسة في طريق الهجرة، فإن بدائل نزع فتيل القنبلة الزمنية الديموغرافية غير مقنعة. ويعتقد «بورش-سوبان» أن استبدال العمالة برأس المال سيعزز الإنتاجية ويساعد في الحفاظ على النمو الاقتصادي، حتى مع ارتفاع نسبة الاعتماد. لكن هذا لن يسد الفجوة. وستتطلب طفرة المواليد الجديدة – التي غالباً ما تدعو إليها الأحزاب اليمينية – تغييراً ثقافياً عميقاً، وستستغرق نحو عقدين من الزمان لإظهار أي تأثيرات (وهي الفترة الزمنية اللازمة لبلوغ الطفل سن العمل). في ألمانيا، يجب أن يرتفع معدل الخصوبة من 1.6 طفل إلى 2.1 لكل امرأة، من أجل تحقيق توازن ديمغرافي.
وهناك حجة أخرى مؤيدة للهجرة، وهي أنها قد تسبب بعض الآثار الأخرى المثيرة للاهتمام، وفقاً لـ «آنا ماريا مايدا»، خبيرة اقتصادية بجامعة جورج تاون. وفكرتها الأكثر إثارة للاهتمام هي أن المهاجرين من ذوي المهارات المتدنية يمكنهم القيام برعاية الأطفال والعمل المنزلي ورعاية المسنين، ما يترك المجال للنساء ذوات المهارات العالية للعودة إلى العمل الرسمي. وسيكون هذا مفيداً بشكل خاص في بلدان مثل إيطاليا ذات المشاركة النسائية المنخفضة في القوى العاملة، الأمر الذي لا مفر منه أن المشكلة الديموغرافية لأوروبا لا يمكن حلها بتقليص حجم الهجرة السنوية الذي يشعر معه الناخبون بالارتياح.
*كاتب متخصص في الاقتصاد الأوروبي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»