ربما يظل من الصعب أن تحصل واشنطن على إجماع دولي واسع، في الوقت الحالي، من أجل تبرير أي تصعيد عسكري تقوم به في الصراع مع إيران، ما لم تقدم مزيداً من الأدلة الدامغة التي تثبت تورط إيران في الهجمات الأخيرة، على حاملات النفط في خليج عمان. وتقليدياً، كانت المملكة المتحدة هي أكثر الحلفاء المرجح أن يساندوا الولايات المتحدة بقوة في مواجهة كهذه، لاسيما أن حكوماتها ساندت معظم الأعمال العسكرية الأميركية، في عدد من دول الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا، منذ سبعينيات القرن الماضي. لكن بريطانيا تواجه في الوقت الراهن أزمة محلية طاحنة مع وجود رئيسة وزراء قائمة بالأعمال، سيتم استبدالها في غضون أشهر أو أسابيع معدودة، عندما يتم التصويت على رئيس وزراء جديد، يحل محلها من قبل أعضاء «حزب المحافظين». وبطبيعة الحال، يجب أن تكون أولوية أية حكومة في بريطانيا، في هذه المرحلة، هي إنجاز مفاوضات الخروج الصعبة من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، وحماية المملكة المتحدة من السقوط في براثن الفوضى، حال مغادرتها الاتحاد «من دون اتفاق».
ومن الواضح إلى حد كبير، أن زعيم «حزب العمال البريطاني» المعارض، «جيرمي كوربين»، مناهض للولايات المتحدة وللسياسات الخارجية، التي ينتهجها الرئيس دونالد ترامب. كما أنه (كوربين) من أشد المدافعين عن كوبا وفنزويلا، وهو معارض لسياسات الحكومة الإسرائيلية الراهنة، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ومن الصعب أن نرى في ظل أي ظروف «حزب العمال»، وهو يدعم عملاً عسكرياً أميركياً ضد إيران، ما لم يسقط ضحايا بريطانيون في مواجهة ما مع إيران. ونظراً لأن رئيس الوزراء «المحافظ» الجديد سيحتاج إلى بعض التأييد على الأقل من حزب «العمال»، من أجل التوصل إلى اتفاق في البرلمان البريطاني، بشأن اتفاق «بريكست»، فإن ذلك القائد لن يرغب في أن يكون مكبّلاً في نزاع بشأن الأزمة الإيرانية.
وبالمثل، من المستبعد أن ترغب القوى الأوروبية الكبرى الأخرى، في خوض معركة ضد النظام الإيراني. ففرنسا كانت دائماً من أشد الدول الأوروبية المتشددة في موقفها حيال إيران، لكن على ضوء المشكلات الداخلية، التي يواجهها الرئيس إيمانويل ماكرون بسبب حركة المعارضة المحلية، وخصوصاً بعد أشهر من احتجاجات «السترات الصفراء» على حكمه، من المستبعد أن يرغب الرئيس الشاب في خوض أزمة جديدة في منطقة الخليج، ما لم تكن مصالح فرنسية محددة معرضة للخطر وبصورة مباشرة.
وما يمكن أن يغير هذه المعطيات والديناميكيات هو الإفراط في ردود الفعل، من قبل إيران على البيانات والتصريحات الحازمة من قبل المسؤولين الأميركيين، وخصوصاً الرئيس ترامب، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون.. والتي يبدو الهدف منها هو دفع المتطرفين الإيرانيين إلى القيام بمزيد من التصرفات المتهورة.
ولا شك، في أن مزيداً من الهجمات الوقحة من قبل فيالق الحرس الثوري الإيراني على حاملات النفط والانتهاكات الفجّة للاتفاق النووي، ربما كان أخطرها قرار إيران المضي قدماً في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تصلح لإنتاج أسلحة نووية.. لا شك أن من شأن ذلك تغيير حسابات الدول الأوروبية، ودفعها إلى تأييد أي إجراءات عسكرية أميركية قوية ضد إيران.
وفي المعتاد، كانت القيادة الإيرانية تتوخى الحذر حيال في المواقف، التي يمكن أن تدفع الولايات المتحدة إلى القيام برد عسكري. وكان هناك استثناء واحد هو قرار الخميني السماح باحتجاز رهائن أميركيين في عام 1979، أي في بداية قيام الثورة الإيرانية. لكن إيران الآن تتعرض لأضرار جسيمة بسبب العقوبات الأميركية وقرار الولايات المتحدة تشديد الإجراءات بحق الدول التي تحاول التحايل على العقوبات.
وقد تكون الأضرار البالغة والتكاليف السياسية التي يتكبدها النظام الإيراني قد أصبحت شديدة الوطأة، بدرجة جعلته يشعر بأنه لا بديل عن تصعيد الصراع في مواجهة خصومهم في الإدارة الأميركية.
لكن هذه السياسة ستنطوي بالتأكيد على مجازفة كبيرة، يمكن أن ترتد آثارها بقوة على النظام الإيراني، إذا ما جاء الرد العسكري من الولايات المتحدة وحلفائها محسوباً ومقصوراً على أهداف عسكرية مختارة، مثل الأصول البحرية الإيرانية وأهداف اقتصادية تابعة للحرس الثوري الإيراني. ويمكن للولايات المتحدة أن تتسبب في قدر هائل من الأضرار لتلك الأهداف من دون مهاجمة المدنيين، ومن ثم تنفير الشعب الإيراني الذي يُعتقد، على نحو واسع النطاق، أنه يكره النظام الحاكم في طهران، بقدر ما يمكن أن يكره أي عدوان عسكري من قوى أجنبية.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال انترست» -واشنطن