لطالما كانت روسيا نسخة لدولة تهتم جداً بأمنها القومي يُتوقع فيها من الأفراد والشركات ومجموعات أخرى الاستجابة لاحتياجات أجهزة الدولة ومطالبها من دون أسئلة أو تردد.
ولهذا، يقول معظم الخبراء إنهم فوجئوا حينما تم نشر خبر هذا الشهر يفيد بأن «جهاز الأمن الفيدرالي» (ال«إف إس بي») طالب عملاقَ الخدمات الرقمية «ياندكس»، الذي يُعد أكبر شركة في روسيا، بتسليمه مفاتيح التشفير قصد الامتثال لقوانين الإنترنت الصارمة على نحو متزايد في البلاد.
والمفاجئ بالقدر نفسه، إن لم يكن أكثر، هو أن «ياندكس» بدا أنها تقاوم مطالب الـ«إف إس بي» – بدعم من بعض المسؤولين الحكوميين. وعلى الرغم من أن النقاش قد خرج الآن من المجال العام، إلا أنه كشف لوقت وجيز عن خطوط الصدع بين المطالب الأمنية التقليدية وآمال بعض مسؤولي الدولة على الأقل في عدم تقييد أهم شركة عالمية في روسيا بتعاون منسف للمصداقية مع أجهزة الاستخبارات.
ويقول «إلكسي موخين»، مدير «مركز المعلومات السياسية»، وهو مركز أبحاث ودراسات يوجد مركزه في موسكو: «لقد تحركت ياندكس بسرعة لخلق الانطباع بأن المشكلة قد حُلت، وبأن خصوصية مستخدميها ستكون محمية»، مضيفاً «ولكنني لا أعتقد أنها حُلت. إنها مشكلة جد معقدة، مشكلة تؤثر بشكل عميق على صميم نموذج عمل ياندكس، ألا وهو ضمان خصوصية المستخدمين».
وتشتغل «ياندكس» وفق نموذج عمل يشبه تقريباً ذاك الذي تتبعه «جوجل»، حيث تقدّم خدمات البريد الإلكتروني، ومحرك البحث، والتصفح، والتطبيقات التجارية، وخدمات رقمية أخرى. ويقول خبراء إنه ليس لديها خيار آخر غير الامتثال لقوانين الإنترنت الروسية التي تزداد صرامة.
غير أنه في أوائل يونيو، عندما حدّد ال«إف إس بي» للشركة مهلة 10 أيام من أجل تسليمه مفاتيح التشفير الخاصة بخدماتها الرئيسية، بدا أن ياندكس تقاوم.
ولعل المفاجئ أكثر من كل ذلك هو دخول نائب رئيس الوزراء الروسي «ماكسيم أكيموف» على الخط، باسم الحكومة الروسية، لدعم تحدي الشركة الواضح حيث قال لوكالة إنترفاكس: «إن ياندكس مهمة جدا للاقتصاد الوطني وحتى العالمي»، مضيفاً «ويجب أن نفعل كل ما بوسعنا لضمان ألا تعاني بأي وجه من الوجوه الشركاتُ التي تحافظ على زعامة روسيا في عدد من المجالات الحيوية».
*صحفي كندي مقيم في موسكو
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»