كان صيف عام 2001 راكداً في سوق الأنباء، لكن في عطلة عيد الاستقلال الأميركي في الرابع من يوليو، هاجمت سمكة قرش صبياً في فلوريدا، فأصبح الموسم مشوقاً. وفجأة بدا الأمر كما لو أن أسماك القرش تهاجم الأميركيين كل يوم. وامتلأت دورة الأنباء بالخبراء وألغى السياح عطلاتهم الشاطئية. ووصف الموسم بأنه «صيف أسماك القرش» واستمرت التغطية على مدار شهرين حتى وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وانتهت أنباء أسماك القرش فجأة. لقد كان هناك شيء، لكن مبالغ فيه. فالملفات الدولية لهجمات الأسماك القرش في متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي تشير إلى عدد أقل من هجمات أسماك القرش غير الاستفزازية في الولايات المتحدة عام 2001 بلغ 50 حالة عن العام السابق والتي بلغ عددها 52 حالة وأيضاً أقل من الأرقام التي سجلها أحدث الأعوام توافراً في السجلات وهو عام 2016 وبلغ عدد الحالات فيه 53 حالة.
قد أكون شكاكاً، لكني حين أسمع عن أزمة مخيفة جديدة، أفكر في صيف أسماك القرش. وهذا يحدث الآن في الوقت الذي استمع فيه إلى قرع طبول متواصل من الأنباء يعلن عن تحول شبان أميركيين إلى الاشتراكية، وهو ما أصبح شائعاً، خاصة في وسائل الإعلام المحافظة. فأنا أنظر إلى هذا دون تصديق ودون تكذيب. صحيح أن الشباب أكثر تعاطفاً مع الاشتراكية من كبار السن. فوفقاً لمركز «جالوب»، في عام 2018 كان هناك 51% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً لديهم وجهة نظر إيجابية عن الاشتراكية في مقابل 41% بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و49 عاماً، و30% بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و65 عاماً و28% بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن ذلك. ولا غرابة في هذا.
لكن الحجة تمضي إلى حد الزعم بأن الشباب صغار السن يتزايدون ميلاً إلى الاشتراكية. لكن زميلي كارلين بومان في «معهد أميركان انتربرايز» يرى أن هناك القليل من الأدلة على هذا. وهناك قلة من استطلاعات الرأي سألت عن الآراء عن الاشتراكية على مدار سنوات، واستطلاعات الرأي التي فعلت هذا لم تلاحظ تغيراً. وعلى سبيل المثال، توصل مسح لجالوب عام 2010 إلى أن نسبة من لديهم وجهات نظر إيجابية عن الاشتراكية وسط الفئة العمرية من 18 إلى 29 عاما بلغت 51% وهي تساوي تحديداً النسبة الحالية. فما سبب كل أجراس التنبيه؟ لأنها تلائم قصة جيدة عن الحيوية السياسية الأميركية التي تقدمها وسائل الإعلام حاليا وهي قصة تبقي الناس مدمنين على التسلية السياسية. فعنوان مثل «اليعاقبة الشباب يريدون أن تسيطر الحكومة على وسائل الإنتاج» أكثر تشويقاً من عنوان مثل «الشباب أكثر تقدمية من الشيوخ». وإدخال إطار الخوف في السرد يمنع المدافعين عن الرأسمالية من إقامة حجة إيجابية عن مزايا النظام. لأن أسماك القرش المرعبة في كل مكان!
لكن عدم انضمام الشباب بالجملة إلى الاشتراكية لا يعني أنهم غير مهتمين بمستقبل النظام الاقتصادي الأميركي. فقد أشار استطلاع رأي لعام 2015، أجراه معهد هارفارد للسياسة، إلى أن ما يقرب من نصف أفراد الفئة العمرية من 18 إلى 29 عاماً يعتقدون أن الحلم الأميركي قد «مات». وهذا هو التحدي الحقيقي والمرحب به لأنه يقدم حافزاً لمناقشة مزايا ومشكلات الاقتصاد الحر كما يعمل حالياً في الولايات المتحدة.
ودعنا ننصت إلى أصوات التيار العام في اليسار وإلى فكرتين تتعلقان بالسياسة الاقتصادية، وهما القلق من حدة الفقر والرغبة في تعزيز الفرص للناس الذين يعيشون على هامش المجتمع.
وهذه، في رأيي، أهداف ممتازة وأخلاقية. فكما أوضحت في فيلم وثائقي أذيع هذا الشهر، انخفضت نسبة سكان العالم الذين يعيشون في فقر تام- أي بدولار واحد أو أقل في اليوم- أربعة أخماس منذ سبعينيات القرن الماضي وهناك مليارا شخص على الأقل خرجوا من الفقر المدقع. وفي الوقت نفسه، انخفض معدل وفيات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمسة أعوام بنسبة 58% منذ عام 1990 وارتفعت نسبة القدرة على الكتابة والقراءة وسط البالغين على مستوى العالم من 75% عام 1990 إلى 86% عام 2016.
فبماذا نفسر هذا التقدم المذهل؟ إنها العولمة وحرية التجارة وانتشار حقوق الملكية وحكم القانون وثقافة الرأسمالية الديمقراطية حول العالم. وسيرد البعض على هذا بالقول إن السوق الحرة ليست كافية وأن الملايين لم ينالوا شيئاً من نعم الرأسمالية بما في ذلك بعض الناس في الولايات المتحدة نفسها وآخرون يتزايدون ثراء من خلال الاستغلال. وهم محقون في هذا. فهناك عدد كبير للغاية مستبعد بينما يحصل آخرون على نصيب غير عادل من المزايا. وأصحاب النفوذ يستطيعون تشويه الاقتصاد الحر من خلال المحسوبية بين الشركات أو الشبكة المعقدة من الامتيازات الاجتماعية المحمية بالثروة.
لكن الجدل لا يتعلق بالتراجع عن الرأسمالية بل يتعلق بتقاسم منافعها على نطاق أوسع. فهل يجري تقدير قدرات الناس في الهوامش وإعطاءهم ما يستحقون؟ الإجابة: ليس بما يكفي. وهل الأثرياء معرضون فعلا للدمار الخلاق للأسواق؟ والإجابة: ليس بما يكفي. فهناك حاجة إلى المزيد من الحراك، من القمة إلى القاع ومن أسفل إلى أعلى. والمدافعون عن الاقتصاد الحر يتعين عليهم الاعتراف بأن الأسواق لا تتعارض مع شبكة الأمان الاجتماعي.
ويرى الاقتصادي المحافظ فريدريك هايك أن الهدف يجب أن يكون التأكيد على أن «بعضاً من الحد الأدنى من الطعام والسكن والملابس وما يكفي للحفاظ على الصحة والقدرة على العمل يمكن توفيره للجميع» وتوفير الأمان أمام «تلك المخاطر الشائعة في الحياة التي لا يستطيع إلا عدد قليل من الأفراد توفير الاحتياطات اللازمة لها». فالمخاوف بشأن الأنظمة الرأسمالية حقيقي. وهذه فرصة وليست تهديداً.
* رئيس معهد أميركان انتربرايز
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»