لطالما أكد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي على أن الولايات المتحدة لن تكون راضيةً عن التنازلات الإيرانية حتى تُهزمَ إيرانُ نفسُها. هذا الرأي يعكس موقف المسؤولين الإيرانيين المصر على عدم التفاوض مع الولايات المتحدة تحت الضغط.
وعلى نحو غير مفاجئ، تمثل الرد الإيراني على التكثيف الأخير من قبل إدارة ترامب لحملة «الضغط الأقصى» في اختبار حدود التصميم الأميركي وكشفه، من خلال إطلاق سلسلة من الهجمات التخريبية والهجمات بالوكالة، ضد ناقلات نفط و محطات لضخ النفط في منطقة الخليج العربي.
ومع إرسال الولايات المتحدة لمزيد من القوات إلى المنطقة وازدياد حدة التوتر، من المثير للاهتمام أن كلاً من الرئيس دونالد تارمب والمرشد خامنئي انتقلا إلى وقف الانجراف نحو حرب مباشرة. فقد أوضح ترامب جيداً أنه لا يريد حرباً، متحدثاً عن «الإمكانيات العظيمة» لإيران، وحاثاً قادتها على الاتصال به من أجل «عقد صفقة». ومن جانبه، قال خامنئي في كلمة على التلفزيون الوطني: «لا نحن نسعى إلى الحرب ولا هم».
غير أن هذا لا يعني أن الإيرانيين مستعدون للانخراط في مفاوضات على الفور. فخامنئي، الذي أمضى عقوداً من التشكيك في جدوى الحوار مع الولايات المتحدة، وإلى وقت قريب كان يعتبر التفاوض معها «سماً»، لا يريد الظهور كما لو أنه غير موقفَه ورضَخَ لأميركا. هذا بينما قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن «الوضع ليس مناسباً للمحادثات وخيارنا هو المقاومة فقط».
والمقاومة، بالنسبة لروحاني وخامنئي، يمكن أن تتعلق بترك القيود المفروضة على إيران بموجب اتفاق 2015 النووي، المعروف بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة». والواقع أن الإيرانيين أعلنوا مؤخراً أنهم سيضاعفون معدل التخصيب بأربع مرات، ما يعني أنهم قريباً سيتجاوزون الـ300 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب المسموح لهم بها بموجب الاتفاق. كما أخطر روحاني الموقعين الأوروبيين في الاتفاق أنهم إذا لم يعوضوا الإيرانيين اقتصادياً عن العقوبات الأميركية قبل 7 يوليو، فإن الإيرانيين قد يستأنفون التخصيب إلى 20 في المئة، وهو ما يمكن أن يضعهم على الطريق نحو تطوير قدرات الاستخدام النووي العسكري.
والواقع أن خامنئي قد يشدد على أن إيران لن تتفاوض تحت الضغط، لكن تاريخ إيران الخمينية يشير إلى خلاف ذلك. ففي الماضي، عندما ارتفع الضغط الخارجي إلى مستوى قياسي، معرِّضاً الاستقرار الداخلي للخطر، بحثت القيادة الإيرانية عن طريقة لخفض تلك الضغوط والتكاليف المرتبطة بها. حدث هذا في قرار إنهاء الحرب مع العراق عام 1988؛ وفي قرار وقف اغتيال المعارضين في أوروبا في التسعينيات عندما لُوّح في وجهها بالعقوبات؛ وفي قرار عرض اتفاق نووي عام 2003 بعد أن هزمت الولايات المتحدة الجيش العراقي في ثلاثة أسابيع، فخشي الإيرانيون أن يكون الدور عليهم بعد ذلك؛ وفي عام 2012، عندما وافقت إيران على اتصالات عبر قناة خلفية بعد أن زادت إدارة أوباما العقوبات على بنكها المركزي وتوقف الأوروبيون عن شراء النفط الإيراني.
فهل يمكن أن نرى إعادةً لهذا السيناريو مع إدارة ترامب؟ الاعتقاد السائد هو أن الإيرانيين يريدون انتظار انتهاء رئاسة ترامب والتعامل مع من سيخلفه. هذا من شبه المؤكد هو ما يفضله خامنئي، لكن الكثير يتوقف على حجم المعاناة الاقتصادية الذي يعتقد أن الإيرانيين يستطيعون تحمله.
فإذا شعر خامنئي بأنه يجب عليه خفض الضغط واختيار المفاوضات، فمن شبه المؤكد أن هذه الأخيرة ستكون غير مباشرة، ذلك أن مفاوضات مباشرة ستكون بمثابة اعتراف بالهزيمة. واستخدام وسيط مثل فلاديمير بوتين من المرجح أن يروق لكل من ترامب والزعيم الروسي نفسه.
لكن ما نوع الصفقة التي سيكون ترامب راغباً في عقدها؟ الواقع أنه من المستبعد أن تكون صفقةً مبنيةً على شروط وزير الخارجية مايك بومبيو الاثني عشر من أجل التفاوض: فتلك الشروط ينظر إليها الإيرانيون باعتبارها ترقى إلى تغيير للنظام. وخلال زيارته لليابان، أوضح ترامب جيداً أنه «لا يسعى وزراء تغيير النظام». وبدلاً من ذلك، فإن هدفه هو «لا أسلحة نووية»، وهو ما يترك هامشاً للمناورة.
لكن الحقيقة هي أن معيار ترامب الوحيد للصفقة يبدو أنه هو معياره بخصوص معظم المسائل الرئاسية: فاتفاقه يجب أن يكون أفضل من الاتفاق الذي أبرمه أوباما.
وأحد التحسينات الواضحة التي يمكن إدخالها على الاتفاق النووي الإيراني، هو تمديد البند المتعلق بانتهاء فترة سريان الاتفاق بشأن الحد من تخصيب اليورانيوم الإيراني، من العام 2030 إلى (لنقل) 2045. فهذا من شأنه إرجاء تهديد أسلحة إيرانية ممكنة في المستقبل. لكنه لن يتعاطى مع التهديدات الإقليمية الناجمة عن جهود إيران لتمديد نفوذها وأذرعها ضد دول المنطقة. فهذا سيقتضي إقناع إيران بالحد من وجودها العسكري في سوريا والتوقف عن تزويد «حزب الله» في لبنان، ووكلائها الآخرين في سوريا واليمن والعراق، بالقذائف والصواريخ الموجهة بدقة.
لكن الإيرانيين لن يقدموا هذه التنازلات بالمجان: إذ سيسعون وراء رفع كل العقوبات، النووية وغير النووية. وهذا سيقتضي من ترامب أن يقرر حجم التنازلات التي هو مستعد لتقديمها. وإذا كان أوباما قد رفض رفع العقوبات المرتبطة بالإرهاب وحقوق الإنسان، فإن ترامب أيضاً قد يرفض ذلك. إلا أنه قد يخلص إلى أن كسب الوقت (15 سنة إضافية) وتقليص احتمال حرب إقليمية في الأثناء، سيمثلا نجاحين مهمين.
والمثير للاستغراب هو أن «الضغط الأقصى»، كما يمارسه ترامب وخامنئي، يمكن أن يدفعهما في ذاك الاتجاه، شريطة ألا تدفعهما حسابات خاطئة نحو نزاع أكبر.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»