قبل عامين ونصف، كان قليل من المواطنين الإسبان قد سمعوا عن حزب «فوكس» اليميني المتطرف، ناهيك عن أن يخططوا للتصويت له. والحزب الذي شارك في تأسيسه «سانتياغو أباسكال» السياسي المنتمي إلى إقليم الباسك، دفع بعشرة مرشحين في الانتخابات البرلمانية الإقليمية، لكنه أخفق في الفوز بأي مقعد منها. وفي الانتخابات العامة التي أجريت عام 2016، لم يحصل الحزب سوى على أقل من ربع في المئة من الأصوات التي زادت على 23 مليون صوت. وظل الحزب خارج الحكومة الإسبانية تماماً.
لكن الأمر لم يعد كذلك بعد الآن. ففي الانتخابات التي أجريت في ديسمبر الماضي في «أندلوسيا»، وهي أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في إسبانيا، فاز «فوكس» ب11 في المئة من الأصوات، وساعد في إقصاء الحزب الاشتراكي من السلطة بعد 36 عاماً في الحكم. وأضحى الآن خامس أكثر الأحزاب شعبية في الدولة. (على رغم من أنه في عام 2016 لم يكن حتى من بين الـ12 حزباً الأكثر شعبية). وفي الانتخابات الوطنية الشهر الماضي، حقق «فوكس» نتيجة أقل مما توقع، لكنه رغم ذلك فاز بنسبة 10.3 في المئة من التصويت الشعبي و24 مقعداً في البرلمان. وهو واحد من بين عدد من الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا التي تتجه إلى الانضمام إلى البرلمان الأوروبي للمرة الأولى.
وإسبانيا، التي كانت تشهد حتى وقت قريب نمواً اقتصادياً قوياً إلى جانب تعدد الثقافات، بدت محصّنة من وباء اليمين المتطرف الذي ينتشر في أجزاء أخرى من أوروبا، لكنها على رغم من ذلك، استقبلت في عام 2018 مهاجرين أكثر من أية دولة أوروبية أخرى، ومعظمهم عبروا من المغرب إلى أندلوسيا، وهو ما يُفسّر صعود حزب «فوكس»، إلا أن أجندة الحزب تتجاوز الهجرة. فهي تندد بالانفصال الكتالوني بقدر ما تندد بالأجانب. ويدافع قادة الحزب عن امتلاك الأسلحة ومصارعة الثيران ويدعون إلى فرض إسبانيا سيادتها على جبل طارق. وقد استفاد الحزب من الغضب الشعبي من فضائح الفساد التي تورّط فيها سياسيون من الأحزاب التقليدية.
ويُسلّط صعود «فوكس» الضوء على انتشار وقدرة الشعبوية الأوروبية على التأثير، حتى في دول لطالما كانت منيعة. ويُظهر أن جاذبية الأحزاب اليمينية لا ترتبط فقط بالتشكيك في أوروبا أو تقييد الهجرة. فكثيراً ما ينجذب الناخبون إلى البدائل الشعبوية لأسباب خاصة لها علاقة بشكاوى محلية أكثر من الاتجاهات العالمية.
وبدرجة ما، قد دفعت الطبيعة المتباينة للشعبوية بعض القادة السياسيين الموالين لأوروبا إلى سوء تقدير خطر التحدي، وهذا أيضاً السبب في أنه لا يزال من الصعب محاولة وضع حلول لمواجهة الشعبوية.
ويتقاسم الشعبويون الأوروبيون بعض الأهداف المشتركة. ومثل الرئيس دونالد ترامب والرئيس البرازيلي «جاير بولسونارو»، يهدفون إلى قلب النظام السياسي رأساً على عقب، وإغضاب النخب، والدفاع عن الثقافة التقليدية من التهديدات الخارجية المتصوّرة. لكن الشعبوية بعيدة عن أن تكون نهجاً واحداً. فالشعبويون من اليمين المتطرف مثل «فوكس» و«حزب البديل من أجل ألمانيا» يؤيدون تخفيضات ضريبية كبيرة وتقليص في الإنفاق العام، بينما تفضل الأحزاب المناهضة للنخب والتي وصلت بالفعل إلى السلطة، مثل حركة خمس نجوم في إيطاليا و«بوميدوس» في إسبانيا، سياسات اقتصادية تعتمد على إعادة توزيع الدخل، مع دور موسّع للدولة.
وثمة اختلافات بين الشعبويين حول كيفية التعامل مع التغير المناخي وزواج المثليين. وبعضهم يؤيد صراحة روسيا فلاديمير بوتين، مثل وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، والرئيس المجري فيكتور أوربان، بينما يدعو آخرون إلى المواجهة مثل حزب القانون والعدالة في بولندا. ويختلف الشعبويون أيضاً حول قضيتهم المحورية المتمثلة في الهجرة، والطريقة المثلى للتعامل مع المهاجرين من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. فقد دعت الحكومة الإيطالية إلى توزيع القادمين الجدد بين دول التكتل الأوروبي، بدلاً من استيعابهم في الدولة التي دخلوها، وهي فكرة تعارضها المجر وبولندا معارضة شديدة.
وعلى النقيض من الأحزاب السياسية التقليدية المنتمية إلى يسار الوسط أو يمين الوسط في أوروبا، والتي توجد لديها روابط تاريخية بمؤسسات مثل الاتحادات التجارية والكنائس، تفتقر الأحزاب الشعبوية إلى دوائر انتخابية محددة. وقد أظهرت دراسة أجريت عام 2011 في 11 دولة بغرب أوروبا أن مؤيدي الأحزاب الشعبوية الأوروبية ليست لديهم قواسم مشتركة مع بعضهم البعض على الصعيدين الديموغرافي والأيديولوجي.
ومنذ عام 2000، تضاعف عدد الشعبويين في الوزارات الأوروبية، ليصل إلى 15 في المئة على الأقل، ومن المرجح أن تنمو صفوفهم. وأوضح تحليل لنتائج الانتخابات في 31 دولة خلال عقدين الماضيين أن تأييد الأحزاب الشعبوية في أوروبا ارتفع من 7? في عام 1998 إلى نحو 25? في الوقت الراهن.
وبينما يكتسب الشعبويون زخماً في الانتخابات الوطنية، يحاولون جمع الصفوف عبر الحدود. فقد غازل وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء القومي في إيطالي «ماتيو سالفيني» الرئيس المجري، وشكّل تحالفاً مع حزب القانون والعدالة البولندي. وأغضب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعقد اجتماع مع قادة حركة السترات الصفراء، الذين يواصلون الخروج في احتجاجات عنيفة ضد ماكرون.
وإلى جانب أحزاب يمينية متطرفة من ألمانيا والدانمارك وفنلندا، أطلق «سالفيني» ائتلافاً على مستوى القارة أطلق عليه اسم «التحالف الأوروبي من أجل الشعوب والأمم». وانضم التجمع القومي في فرنسا بقيادة «مارين لوبن» إلى تحالف سالفيني، وكذلك أحزاب قومية صغيرة في جنوب ووسط أوروبا. وهدفهم هو تحفيز الناخبين المشككين في أوروبا قبيل انتخابات البرلمان الأوروبي المزمع عقدها هذا الأسبوع، وتشكيل جبهة قومية موحدة للمرة الأولى في البرلمان المكون من 751 عضواً.
ويشي ذلك بأن المشهد السياسي الأوروبي سيزداد اضطراباً على الأرجح. وليس من المعروف إلى متى سيستمر هذا الاضطراب، لكن المؤكد أن الشعبوية لن تضع نهاية للاتحاد الأوروبي، وإنما نهاية للاتحاد الأوروبي كما نعرفه!
روميش راتنسار: موظف سابق في وزارة الخارجية الأميركية ومؤلف كتاب «قوّضوا هذا الجدار»
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»