أنا ابن الحرب الباردة، أتذكر النظرة على وجه أبي أثناء أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 وتدريبات الحماية في حالة وقوع هجوم النووي. ومهما كان الإرهاب مخيفاً، فهو لا يضاهي هولوكوست نووي.
لذا، انتابني شعور مقلق بالعودة إلى المستقبل أثناء قراءة مقال: «كيف نفوز في الحرب المقبلة»، في عدد الربيع من مجلة «فورين بوليسي». والمقال كتبه «إلبريدج كولبي»، الذي كان مسؤولاً بارزاً في وزارة الدفاع الأميركية البنتاجون وشارك في إعداد «الاستراتيجية الدفاعية القومية» لعام 2018. وعلى رغم من أنها مثل سابقتها «المراجعة الدفاعية الرباعية»، لكن الاستراتيجية الجديدة جاءت مختلفة لأنها تحمل بصمة وتأييد وزير الدفاع السابق «جيم ماتيس» ونائبه (المرشح الحالي لمنصب وزير الدفاع) «باتريك شانانهان»، اللذين تجاوزا الأعراف البيروقراطية القائمة.
وخلاصة المراجعة الاستراتيجية لـ«البنتاجون» هي أن على الجيش أن يحول تركيزه الأساسي من محاربة الإرهابيين والدول المارقة إلى التأهب من أجل مواجهة روسيا والصين. ورسالة «كولبي» في «فورين بولسي» دعوة للتأهب وإن لم تكن مماثلة لرسالة «وينستون تشرشيل» في كتابه «عندما نامت إنجلترا» في عام 1938 الذي حذر فيه من الحرب وطالب بالاستعداد لها.
لكن لماذا روسيا والصين؟ لعبت روسيا دوراً في محاولة تخريب الانتخابات الديمقراطية بالحملات الإلكترونية المنظمة. وفي هذه الأثناء، لم تعد الصين تبدو مثل شريك تجاري عالمي، وإنما مثل عملاق تكنولوجي يميل للاستحواذ على الشبكات العالمية. وكلتا الدولتين (وإلى جانبهما الولايات المتحدة) تحولان شبكة الإنترنت إلى منطقة صراع سيبراني، لكن حتى قرأت مقال «كولبي»، لم أكن أدرك الدرجة التي جددت بها كل من روسيا والصين جيشيهما لتهديد السلم الأميركي الذي ضمن انتشار التجارة الحرة العالمية وانتشار الديمقراطية منذ الحرب العالمية الثانية.
ومع نهاية الحرب الباردة، أصبحت أميركا للمرة الأولى القوة العسكرية المهيمنة، وفي ظل النموذج القديم، تمكنت الولايات المتحدة من استخدام قواعدها المنتشرة وتفوقها الجوي لردع أي اعتداء. وفي صراعات مثل حرب البلقان وعاصفة الصحراء في تسعينيات القرن الماضي، قمنا بشن حملات عسكرية جوية ساحقة بفضل التأهب والاستعداد، مثلما يرى «كولبي». لكن في السنوات الأخيرة، بينما انشغلنا بحروب صغيرة من دون أفق في أفغانستان والعراق، كانت روسيا والصين تبنيان أنظمة تسليح يمكنها القضاء بسرعة على قواعدنا وجعل تكلفة القيام بهجوم مضاد، مرتفعة بدرجة تحول دون القيام به. (فالصينيون جعلوا منشآتنا البحرية والجوية في جزيرة غوام مستهدفة بعشرات، إن لم يكن مئات من الصواريخ منذ عام 2003. وتوشك كل من الصين وروسيا أن تكون لديهما القدرة على فرض الأمر الواقع.
وعلى رغم من أن عنوان المقال هو «كيف تفوز أميركا في الحرب المقبلة»، إلا أن مقال «كولبي» لا يقدم سوى قليل من الاقتراحات حول كيفية ردع أي هجوم صيني أو روسي. وهو لا يدعو إلى خوض حرب وإنما تفاديها. لكن مثلما تقول الحكمة البديهية القديمة: «إن أفضل طريقة لتفادي الحرب هي الاستعداد لخوضها»، لكن لهذه الحكمة معنى خاصاً ومحدداً في السيناريوهات التي وضعتها المراجعة الاستراتيجية لوزارة الدفاع الأميركية. فالمسؤولون في البنتاجون الذين كتبوا الاستراتيجية الدفاعية القومية لا يدعون إلى ضربة استباقية (كنوع من الحرب التي تصورها من حين إلى آخر جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق في إدارة ترامب، ضد كوريا الشمالية أو إيران).
*كاتب أميركي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»