تُعد المجالس الرمضانية من أهم السمات المميزة لشهر رمضان المبارك في دولة الإمارات، ليس فقط لأنها تحظى برعاية كبيرة من جانب القيادة الرشيدة، وتشهد حضوراً متميزاً من جانب المسؤولين والمواطنين، وإنما لأنها باتت بمنزلة برلمانات مفتوحة يتم خلالها مناقشة قضايا الوطن بعمق، وفيها تُطرح المقترحات والرؤى المختلفة التي من شأنها تعزيز مسيرة التنمية بجوانبها المختلفة.
ولعل نظرة سريعة إلى القضايا التي أُثيرت في المجالس الرمضانية المختلفة خلال الأيام الماضية تكشف بوضوح عن تنوع هذه القضايا وتعددها، واهتمامها بالقضايا الجوهرية التي تهمّ الوطن في مختلف المجالات، مع تركيزها بشكل خاص على ترسيخ قيم التسامح والتعايش، وذلك تفاعلاً مع مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بإعلان عام 2019 عاماً للتسامح؛ بهدف تعزيز الدور العالمي الذي تلعبه دولة الإمارات بصفتها عاصمةً للتعايش والتلاقي الحضاري.
فالمجالس الرمضانية التي تنظّمها وزارة الداخلية، في دورتها الثامنة هذا العام، تُعقد تحت شعار «الأخوّة الإنسانية»، وذلك استلهاماً من جهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، في تعزيز التعايش المجتمعي، وترسيخ مبادئ وقيم السلام بين الشعوب، وتحقيق الأخوّة الإنسانية، حيث ناقشت هذه المجالس جهود الإمارات لتعزيز السلام بأشكاله كافة، وعلاقة التسامح بترسيخ الأمن والاستقرار، وكيف أن الإمارات نموذج يحتذى به في نشر قيم التسامح والاعتدال والوسطية على الصعيدَين الإقليمي والدولي.
وفي الوقت ذاته، فإن المجالس الرمضانية التي تنظّمها المؤسسات والجهات المختلفة في الدولة تمثل فرصة للتفاعل المباشر بين المسؤولين والمواطنين حول استراتيجيات وسياسات العمل الوطني في مختلف المجالات، خاصة أن المسؤولين يحرصون على المشاركة فيها، ويستمعون خلالها إلى آراء المواطنين فيما يقدَّم لهم من خدمات وما يواجهونه من مشكلات، وأخذها في عين الاعتبار لدى تطوير هذه السياسات، ولهذا فإن هذه المجالس تُعد إحدى وسائل التعرف إلى احتياجات أفراد المجتمع، وأولوياته في مختلف المجالات.
لقد أصبحت المجالس الرمضانية تشهد إقبالاً كبيراً من جانب جميع أفراد المجتمع، صغاراً وكباراً، شباباً وشيوخاً، ومن ثَمّ فإنها تمثل فرصة مهمة لترسيخ القيم المجتمعية الإيجابية، خصوصاً لدى فئة الشباب، لأن التفاعل الذي تحقّقه هذه المجالس يتيح للنشء والشباب التعرف إلى خبرات الكبار ونقلها إليهم، وهذا أمر ينطوي على قدر كبير من الأهمية، خاصة بالنظر لما يتعرض له الشباب من تأثيرات ثقافية متعددة، ولهذا فإن المجالس الرمضانية تعد فرصة لاستحضار قيم الآباء والأجداد وغرسها في نفوس النشء والشباب، وبالتالي تعزيز الهوية الوطنية والحفاظ على خصوصية الدولة، المجتمعية والثقافية.
وفي الوقت ذاته أيضاً، فإن هذه المجالس تسهِم في تعميق أواصر التلاحم المجتمعي من خلال ما تتيحه من التقاء بين فئات المجتمع المختلفة، حيث تُعتَبر فرصة مثالية للتكافل والتعاون، فمن خلالها يتم التعرف إلى المشكلات التي تواجه بعض أفراد المجتمع، ومن خلالها أيضاً يتم تقديم الحلول لهذه المشكلات، وخاصة أنها تتناول قضايا عدة تشمل مختلف جوانب الحياة في المجتمع.
المجالس الرمضانية، وما تناقشه من قضايا متنوعة، هي تجسيد لرسالة الإمارات الحضارية والإنسانية، خاصة أن هذه المجالس باتت نافذة مهمة لتسليط الضوء على القضايا التي تهمّ الدول العربية والإسلامية، خصوصاً ما يتعلق بتعزيز قيم الوسطية والاعتدال والتسامح والحوار والتعايش، فضلاً عن مكافحة التمييز والكراهية وآفة الإرهاب، وهي قضايا تنطوي على أهمية كبيرة، في ظل ما تشهده المنطقة والعالم من حولنا من تنامي نزعات التعصب والكراهية والتطرف والتي تنطوي على تهديد واضح للأمن والسلم على الصعيدَين الإقليمي والدولي.
ولا شك في أن تركيز المجالس الرمضانية، هذا العام، على هذه النوعية من القضايا إنما يؤكد الدور الرائد الذي تقوم به الإمارات في صناعة التسامح وتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات المختلفة، من أجل أن يَنعم العالم بالأمن والسلم والازدهار.
عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية