يكاد أكبر خطأ وقع في التاريخ المعاصر «أفضل» خطأ قد وقع في الحقيقة، وهو خطأ «القاعدة» في شنّ هجوم رباعي بالطائرات على الأراضي الأميركية سنة 2001، فيما عُرف بأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
فلو كانت «القاعدة» قد شنّت هجومها الإرهابي البشع عام 2011 مثلاً، لتغيّر وجه العالم إلى شيء أكثر رعباً ممّا نراه اليوم، ولو كانت قد تحيّنت وانتظرت أكثر، إلى العام 2021، لربما أدى هجومها إلى انقسام العالم: المسلمين من جهة، وبقية أمم الأرض في جهة أخرى.
وسبق هذا الخطأ الفادح أخطاء صغيرة تمثلت في التفجيرات التي أوقعتها «القاعدة» اعتباراً من سنة 1992 في عدن ونيروبي ودار السلام والرياض وغيرها. فهذه الأخطاء أدّت إلى فتح العيون على التنظيم الإرهابي، وتتبّعه ومحاصرته والتضييق عليه، لكن بطبيعة الحال، الضربات الساحقة للتنظيم، وعلى كافة المستويات، جاءت إثر هجمات 11 سبتمبر.
أما وجه الخطأ في ضرب الأهداف الأميركية سنة 2001 فهي أن أفكار ما يسمى «الجهاد» العالمي، وإقامة الخلافة في سائر أرجاء الأرض، وتكفير الدول العربية والإسلامية، وقتل المدنيين لإيصال الرسائل، وغيرها من أفكار إجرامية كانت تتسرّب وتنتشر في كل مكان، وأمام مرأى ومسمع الجميع.
ورغم ذلك، لم يكن انتشار أفكار «القاعدة» كافياً آنذاك لتصبح الكلمة العليا في المجتمعات الإسلامية، ولم تكن قد أسرت القلوب، ولم تكن قد ألهمت الشعوب، ولم يكن زعيمها قد أصبح أيقونة، ولم يكن قد ظهر جيل من المسؤولين والنافذين في البلاد الإسلامية أصحاب توجهات «متطرفة»، لتظهر على أيديهم أجيال «قاعدية» الهوى والنشأة والهدف.
كانت «القاعدة» في اختيارها سنة 2001 لتنفيذ عمليتها الكبرى مثل ملاكم لم يتدرب جيداً، واعتقد أن حماسته كافية ليكون ملاكماً لا يُقهر، فأعلن بغرور تحديه بطل العالم، وفي اللحظة الأولى من النزال على الحلبة، تلقى ضربة واحدة هشّمت وجهه.
تنظيم «القاعدة» الإرهابي سارعت إلى التفجير ولمّا تنتهي من التنظير، إذ كانت بحاجة إلى عقدين آخرين من بثّ الأفكار وزرع نفسها في هذا المجتمع ثم الانتقال إلى المجتمع التالي، لكنها «القاعدة» استعجلت فمكّنت العالم من التخلّص من شرورها قبل أن تستفحل، وإنهاء قوتها قبل أن تصبح هائلة لا تعود بقدرة الدول على مواجهتها إلا بحرب لا تبقي ولا تذر.
كان صعود «القاعدة» درساً لبعض الدول العربية بأن التغاضي عن الجماعات التي ترفع شعارات جنونية خطأ لا يغتفر، وأن ملاحقتها بعد أن تنفذ جنونها يكلّفها أضعاف تكلفة إيقافها منذ البداية، وأن القضية قضية أفكار قبل أن تكون قضية تنظيم، فتلك الأفكار المدمرة والعبثية الخائبة لم تكن من بُنيات أفكار «القاعدة»، بل كانت موجودة قبل أن تولد، وما تزال موجودة، لكن بـ«القاعدة» صار لها كيان مادي يسعى في الأرض، ولها عنوان معروف يذهب إليه المخابيل.
*كاتب إماراتي