يوم الاقتراع في 2015، حشد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الناخبين بخطاب متعصب، إذ قال محذراً: «إن العرب ذاهبون إلى مكاتب الاقتراع بأعداد كبيرة»، آملا تعبئة قاعدته اليمينية في اللحظات الأخيرة لدعم إعادة انتخابه. وبدا أن الحيلة كانت ناجحة.
وبعد أربع سنوات على ذلك، لم يغيّر نتنياهو خطابه. ففي الأيام التي سبقت يوم الانتخابات البرلمانية، أعلن نتنياهو وحلفاؤه مراراً أن التصويت للمعارضة سيكون تصويتاً للأقلية العربية في إسرائيل. ويوم السبت، وفي محاولة للمزايدة على لأحزاب التي على يمينه، قال نتنياهو إن حكومة مقبلة تحت قيادته «ستنتقل إلى المرحلة التالية» وتبحث «فرض السيادة الإسرائيلية» على المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
المنتقدون استنكروا على الفور احتمال ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وهو عمل سيكون محل تنديد من قبل الأغلبية الساحقة في المجتمع الدولي، الذي يَعتبر المستوطنات غير قانونية. كما أن من شأنه أن يهيل مزيداً من التراب على قبر «حل الدولتين»، وهو مسعى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة الذي بات يحتضر الآن، والذي ظلت تؤمن به الإدارات الأميركية المتعاقبة. ويمكن أن يحوّل الاهتمام العالمي أخيراً من غياب دولة فلسطينية إلى غياب الحقوق الديمقراطية لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم العسكري الإسرائيلي.
هذه نتائج يتوق بعض أنصار إسرائيل في مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بشدة لاجتنابها، ولكنها بالنسبة لنتنياهو تمثل سياسة داخلية جيدة.
لا أحد داخل حزبه – حزب الليكود الحاكم – ولا أحد في الأحزاب التي على يمينه يرغب في رؤية دولة فلسطينية قابلة للاستمرار تقام على الأراضي التي تحتلها إسرائيل حالياً. والإعلانات الانتخابية التي وضعتها أحزاب يمينية تعكس سياستها المتشددة: ففي أحد الأمثلة، يظهر سياسي بارز وهو يخاطب حمامة حقيقية قائلًا: «إن القوة تصنع الحق».

فوز نتنياهو- حال حدوثه- سيكون دليلاً على دهاء نتنياهو السياسي. وفي هذا الصدد، قال الكاتب والصحافي الإسرائيلي «أنشل فيفر» «إن أعظم إنجاز لنتنياهو هو الإبقاء على قاعدته مستاءة وغير راضية وغاضبة رغم أن الليكود كان في السلطة ثلاثة أرباع الأربع عقود الماضية، وأكبر ميزة سياسية يمتاز بها نتنياهو هو أنه يعرف كيف يفهم تخوفات ناخبيه ويبقي عليها حية».
وفضلا عن ذلك، فإن نتنياهو سيكون قد فعل ذلك بالتوازي مع إمكانية تلقيه لائحة اتهامات تتعلق بالغش وخيانة الأمانة والرشوة. ورغم تراكم الدلائل على مخالفاته ومخالفات أسرته في وسائل الإعلام والمحاكم، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي أبدى تحدياً، متحدثاً عن أعداء داخل الدولة وفي وسائل الإعلام «اليسارية». وكما أشار زملائي في «واشنطن بوست»، فإذا أعيد نتنياهو إلى السلطة، فإنه سيكون في «موقف أقوى للتأثير في الإطار الزمني للتحقيقات في اتهامات الفساد، بل ويمكن أن يدفع في اتجاه تشريع لتجنب توجيه اتهامات لرئيس وزراء يوجد في السلطة».
ولكن نتنياهو سيدين بالفضل أيضا للرئيس الأميركي دونالد ترامب. فمنذ أن وصل إلى السلطة، انتزعت إسرائيل من ترامب سلسلة من التنازلات التي كان من المستحيل التفكير فيها في عهد الإدارات الأميركية السابقة: ذلك أن ترامب اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل بشكل أحادي الجانب، ونقل السفارة الأميركية هناك بالتوازي مع إغلاق مكتب كان يلبي احتياجات الفلسطينيين. وقلّص المساعدات لبرامج إغاثة الفلسطينيين، والشهر الماضي تجاهل غضب حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وأماكن أخرى أثناء اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان.
والواقع أن هناك إمكانية أن يكون حديث نتنياهو عن الضم مجرد مناورة انتخابية سيتراجع عنها بعد الانتخابات. وفي هذا الصدد، قال «شالوم ليبنر»، وهو مسؤول إسرائيلي سابق يعمل الآن في «المجلس الأطلسي» في واشنطن، لصحيفة «نيويورك تايمز»: «إن السبب الوحيد الذي يجعل الأمر يبدو ذا مصداقية هو ما استطاع تنسيقه مع ترامب»، مضيفاً «وربما يستطيع إقناع ترامب بدعمه في ذلك أيضاً.
ولكن آخرين يشيرون إلى تاريخ نتنياهو الطويل في تخريب حل الدولتين كمؤشر على أجندة أوسع أضعفت الأمل في فلسطين مستقلة، وفي الوقت نفسه، لم تفعل شيئاً لمنح حقوق المواطنة لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية تحت الاحتلال الإسرائيلي. الأمر لا يتعلق بمناورة انتخابية، بل هذه هي السياسة الفعلية التي اتبعها نتنياهو على الأرض خلال السنوات الماضية».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»