الصين موجودة اليوم في كل مكان قد تطأه قدم إنسان على الأرض تقريباً، وهذه حقيقة لا أحد يستطيع إنكارها، وذلك عبر السلع والبضائع، وعبر الشركات الإلكترونية العابرة، وعبر الهواتف النقالة، وعبر التقنيات عالية الدقة، وعبر الفضاء السيبراني، والبرمجيات والتطبيقات، وعبر صواريخ فضائية للملاحة، ناهيك عن مشروعها الأضخم (الحزام والطريق). وما خفيَ أعظم بكثير مما يراه المرء ويسمعه. وهذا مدعاة لأن يكون سليماً القول (إذا رقصت الصين اهتزت الكرة الأرضية). لكن هل الصين تمثل زلزالاً بالفعل، أم أن ثمة مبالغة في الموضوع؟ هل أميركا مثلاً تخاف من الصين، وأي جانب من الصين يقض مضجعها؟ معلومٌ أن أميركا، وعلى مستوى العالم، هي المصدر الأول لتصدير الإبداعات والاختراعات والابتكارات العصرية المهمة، ومنها ما غيّر حياة البشرية بأسرها، فضلاً عن قدراتها الاقتصادية والعسكرية، فهل ما زالت أميركا كذلك، أم جاء من يهدد مكانتها، ويتطلع إلى الإطاحة بها؟ هذه أسئلة، يُتوخّى منها أن تفضي بالمهتم إلى زوايا نظر، يطلُ منها على ما يحدث بين الصين وأميركا، راهناً ومستقبلاً. ما يجعل الاهتمام بهذا الموضوع واجباً، هو وضوح الإهمال الأميركي لقضايا المنطقة العربية، بعدما اضطرتها الصين للتركيز على نموها المطرد ونفوذها ومضايقها المائية التي يمر عبرها ما نسبته 50 بالمئة من التجارة العالمية. المحللون يتحدثون عن «ثالوث» صيني أفزع أميركا، وسبب لها صداعاً، وهو (المواجهة، والشراكة، والمنافسة). المواجهة، كانت قد بدأت بينهما أثناء الحرب الباردة، واستمرت منذ عام 1949م وحتى عام 1972م، أما الشراكة، فبدأتها أميركا أولاً، واستخدمت فيها سياسية (البينج بونج) التي ابتدعها الرئيس (ريتشارد نيكسون 1974-69) عندما التقى، سراً، مستشاره القومي (هنري كيسنجر) بأول رئيس وزراء لجمهورية الصين الشعبية (تشوان لاي)، بوساطة باكستانية، واتفقا على فتح علاقة بين الطرفين، لتؤدي هذه الخطوة التي استغرقت عاماً، إلى إعلان نيكسون رغبته زيارة الصين للقاء رئيسها (ماوتسي تونج 1959-54). في عام 1979م، زار الرئيس الصيني (دينج شياو بينج) أميركا في فترة الرئيس (جيمي كارتر 1981-77 م).
وكانت تلك أول زيارة لرئيس صيني منذ الثورة الشيوعية عام 1949م.
أما المنافسة، فبدأت مع انتهاء الحرب الباردة عام 1991م، بعدما تربع الأميركان على قمة النظام العالمي الجديد، في حين انكب الصينيون على وضع استراتيجية بعيدة المدى، هدفها تعويض الفارق الكبير بين القدرات الاقتصادية والعسكرية الصينية ونظيرتها الأميركية. وعلى مدار عقدين من تطبيق (الاقتصاد أولاً) أصبح الاقتصاد الصيني، الثاني عالمياً، مع توقعات مؤكدة، تربعها على عرش الاقتصاد العالمي، والإطاحة بأميركا، قبل حلول عام 2025م، وقد طورت (مداخل) اقتصادية، أولها منظمة شنغهاي 1996م، التي تضم 6 دول بينها روسيا، ودول أخرى على القائمة تطلب الانضمام، بينها عربية، ثم تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، وأسهمت فيه 57 دولة. فماذا فعلت أميركا لترد على طموحات الصين المشروعة؟ سياسياً، دعمت استقلال هونج كونج، الخاصرة الرخوة للصين. واقتصادياً، وضعت قيوداً على الشركات الصينية، ودخلت معها في حرب تجارية. أما عسكرياً، فعرقلت تعزيز القدرات العسكرية للصين، التي يُخشى أنها سترقص مجدّداً.