قبل أسبوعين، كنت في موسكو لحضور مؤتمر بشأن مستقبل العلاقات الروسية الأميركية. وأحد النتائج التي خرجت بها من حضور المؤتمر هو أن حالة العلاقات الثنائية بين البلدين سيئة إلى حد كبير، وأن أفضل ما يمكن أن يأمله المرء في السنوات القليلة المقبلة هو ألا تتدهور هذه العلاقات أكثر. لكن هذا لم يكن النتائج الأساسية التي خرجت بها، بل أهم النتائج هي أن التقارب بين روسيا والصين الذي ظهر خلال العقد الماضي لن ينهار قريباً بحال من الأحوال.
وأهمية هذا يجب أن تكون واضحة. فإذا صدق المرء استراتيجية أميركا الحالية للأمن القومي، فإن الولايات المتحدة ترى في الصراع بين القوى العظمى تهديداً أساسياً. فقد جاء في تقرير «استراتيجية الأمن القومي» أن «الصين وروسيا تتحديان القوة والنفوذ والمصالح الأميركية في محاولة للنيل من الأمن والرخاء الأميركيين. وهما عازمان على جعل الاقتصاد أقل حرية ونزاهة وعلى بناء جيوشهما والسيطرة على المعلومات والبيانات لقمع مجتمعاتهما وتوسيع نفوذهما». وجاء في التقرير أيضاً أنه «بعد أن كان ينظر إلى التنافس بين القوى العظمى باعتباره من ظواهر قرن مضى، عاد التنافس بين القوى العظمى للظهور ثانية». وقبل عقد من الزمن، سمعت من أكثر من مفكر في العلاقات الدولية أن التحالف بين موسكو وبكين مؤقت. وهذا لأن البلدين يشتركان في الحدود، ويتنافسان على النفوذ في وسط آسيا والشرق الأقصى. وعدد السكان الكبير للصين ونهمها الشديد للمواد الخام يجعل سيبيريا قليلة السكان منطقة جذابة للغاية بالنسبة لها. ومع تزايد تجارة وسط آسيا مع الصين، سينمو نفوذ بكين في المنطقة تلقائياً.
وكتبت انجا مانويل من شركة «رايس هادلي جيتس» للاستشارات الاستراتيجية الدولية في سبتمبر الماضي، تقول في صحيفة «اتلانتيك» إنه بخلاف الضجة المفتعلة «لا يوجد إلا القليل من الأدلة على التعاون المكثف بين الولايات المتحدة وحلفائها العسكريين في أوروبا واليابان». وترى مانويل أن «الصين وروسيا ستدعمان بلا تردد بعضهما البعض إذا حوصرتا». وهنا يظهر خطأ إدارة ترامب الاستراتيجي. فقد اتضحت سياسة الإدارة تجاه الصين تماماً مبدية العداء تجاه بكين. وترامب نفسه لم يبد إلا كل ما هو طيب تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن فريقه في السياسة الخارجية لديه شعور مختلف.
وربما تكون مانويل محقة فيما يخص الافتقار إلى التكامل الاقتصادي والأمني بين البلدين، لكن سياستهما الخارجية متناسقة بشدة في الآونة الأخيرة. فقد أشار تقرير خاص لـ«المكتب القومي للأبحاث الآسيوية» صدر مؤخراً إلى أن «السخط المشترك لدى روسيا والصين من القيود الغربية الفعلية أو المتصورة على طموحاتهما الجيوسياسية، دفعهما للتلاقي باستمرار في مواقفها من القصايا الاستراتيجية الإقليمية، رغم أنهما تحافظان على المصالح المستقلة على الهوامش، لكن أهدافهما المحورية في شبه الجزيرة الكورية متطابقة، وتضيف تعقيدات كثيرة على سعي الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها». وهذا التطابق بين مواقف السياسة الروسية والصينية واضح أيضاً في مناطق تمتد من إيران إلى فنزويلا.
وفي الختام، أود أن أوضح أنني لا أقول إن التعاون بين روسيا والصين سيغير قواعد اللعبة، بما يستلزم جهوداً على مستوى حرب باردة أخرى. ولا أقول إن الاتفاق بينهما دائم، فهناك خلافات دائمة في العلاقات فيما بينهما.. بل أقول إن تعاونهما في السياسة الخارجية يتنامى ولا يتقلص، وهذا سيجعل السياسة الخارجية الأميركية تواجه تعقيدات. ويجب على محللي السياسة الخارجية في واشنطن الاهتمام بهذا.


*أستاذ السياسة الدولية في جامعة تافتس الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»