ها هي السنغال تزحف بدورها ضمن الزخم الديمقراطي الهادئ في أجزاء من القارة السمراء، رغم أننا ما زلنا ننتظر أكثر من 12 موعداً لانتخابات رئاسية قادمة في أفريقيا خلال 2019. نقول ذلك بشأن نيجيريا والسنغال، وهاتان جاءتا تباعاً دون ضجيج الإقصاءات والصراعات الدامية المعروفة، أو شراء الذمم والبلطجة بالمال، ومثل هذه النظم الهادئة لابد أن يتوافر فيها أحد عناصر الحماية، أو الحراسة الذاتية التي تجعلها تبدو بعيدة بدرجة أو أخرى عن تلك الشرور المعروفة..
وتبدأ ملامح «الديمقراطية المحروسة» بعناصر معروفة، قبل تحولها –من داخلها أحياناً- إلى تسلطية نعرف منها الكثير.
وتأتي أول عناصر الحماية من دعم نظامها الحزبي التاريخي ذي القواعد الاجتماعية، ولو قام على الطبقية أو حتى الطائفية، ويضيفون إليه الآن القبلية. ويؤدى بنا ذلك الآن إلى ما يعتبره البعض نوعاً من المجتمع المدني القوي الذي يسميه آخرون القوى الديمقراطية أو الشعبية..وإن كانت السنغال قد عرفت هذا النوع من الحماية لأوضاعها المستقرة لوقت طويل نسبياً، فإن بلداً مثل الكونغو الديمقراطية لم تعرفه أبداً إثر اغتيال «لومومبا» 1960 وحتى الآن.
ثانياً: قد يكون الجيش هو «الحامي» «للنظام» سواء ديمقراطياً أو أوتوقراطياً مثلما هو حال نيجيريا نفسها التي شهدنا لها بقوة «الجيش» إلى جانب قوة الأحزاب السياسية بل والمجتمع المدني في توافق قلل كثيراً من فترات النزوع للتصارع الانتخابي، وإن لم يخْلُ من عناصر الإقصاء أو الفساد المالي...الخ
ثالثاً: هنا تبرز حالة السنغال التي استعاد فيها «ماكي سال» رئاسة الدولة بنسبة 58 في المئة من الأصوات مقابل منافسين أقوياء مثل «إدريس ساك» 21 في المئة، وبقية المرشحين السبعة الذين خرجوا خاليي الوفاض. وهنا قيل الكثير أيضاً عن أساليب المعوقات التي صاغتها أجهزة «ما كي سال» بالنسبة لشروط الترشح التي جعلت 87 مرشحاً يتقلص عددهم إلى سبعة في مواجهته!
وبسبب قوة المعارضة النسبية شعبياً وحزبياً، فقد حصل «ماكي سال» رئيس الدولة هذه المرة على 58 في المئة فقط، مقابل حصوله في المرة السابقة على 65 في المئة مقابل الرئيس السابق «عبد الله واد» على 34 في المئة. وقد كدنا نقول إن عنصر الدعم الأجنبي – وهو هنا الفرنسي- كان أقوى مع عبد الله واد في المرة السابقة، ولكنه كان أخف هذه المرة، وفاز«ماكي» أمام عناصر سياسية داخلية قوية بالأساس. وقد تكون قبضة فرنسا بدت مرتاحة أكثر لنظام لا يعاني عناصر القلق التي تفرضها شروط الصندوق القاسية
من هنا رجحت الحالتان (نيجيريا – السنغال) قوة العامل الداخلي، وقوة شعبية النظام، وليس القبضة الأمنية. ففي نيجيريا، استطاع«بوهاري»أن يقضي على الفتنة الدينية (أزمات كنائس زاريا)، وعلى إرهاب «بوكو حرام»، بدرجة أو أخرى وعلى قدر من الفساد، على الأقل من جانب حوارييه، فانتصرت هذه المرة الِحرفية والنزاهة رغم أوتوقراطية الجيش وحياده، على عملية الفساد والتآكل الداخلي.
وفي السنغال انتصرت شعبية النظام أيضاً على الأحزاب، بهدوء الرجل، والبيروقراطية المهنية، والحد من الفساد والإسراف، بل قد تكون أفادته شجاعته في استبعاد ابن عبد الله واد من الترشح نتيجة تهمٍ الجنائية. لم يستطع «ماكي سال» في السنغال أن ينسى فاعلية المجتمع المدني كحارس قوي لنظام نزيه، أو مقاوم قوي أيضاً لنظام فاسد، حتى لو ضعفت القوى السياسية والمدنية هذه المرة مقابل قوتها أمام عبد الله واد من قبل، إذ كانت الحركة الشعبية وصحافتها وإعلامها غير المباشر ركناً قوياً في معارضة الرئيس أصدر 15 تعديلاً دستورياً، ورشح ابنه للرئاسة بعد توليه أربع وزارات معاً! هذه السمات التي وفرت احتياطياً لحماية الديمقراطية في السنغال جعلت «سال» لا يلجأ للعنصر الديني (الصوفي) الذي يبدو حاكماً هناك، وهو الطائفية الدينية من المريدين والتيجانية والقادرية على نحو ما فعل «عبد الله واد» بشكل استفزازي للجماهير وحاول «سال» تجنبه، وبذلك حمى الديمقراطية من أكبر عناصر تهديدها وهو استغلال الاتجاهات الدينية في صياغة السياسة المدنية.
وعلى العكس من ذلك اعتمد «سال» على عنصر التحديث، وتعبئة? ?الشباب? ?خلال? ?حالة? ?نمو? ?ولا? ?نقول? ?تنمية، ?بلغت? ?حوالي? ?7? ?بالمئة? ?وخاصة? ?في? ?المدن? ?الكبرى.