أكدت دولة الإمارات على لسان معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، عبر حسابه في تويتر أن «مجزرة نيوزيلندا الإرهابية تسلط الضوء على أهمية التصدي ومعالجة ظاهرة الإسلاموفوبيا عالمياً».
لقد أعادت المذبحة المروعة التي حدثت في مسجدين بمدينة كرايست تشيرتش النيوزيلندية الهادئة يوم الخامس عشر من مارس الجاري، وراح ضحيّتها 50 شهيداً وعشرات الجرحى، على يد متطرف عنصري غربي، أعادت الحديثَ بقوة حول ظاهرة الإسلاموفوبيا. فرغم تزايد الحديث عن هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة، فإنه لا يزال هناك عدم اتفاق واضح حول تعريفها. فالإسلاموفوبيا كلمة مستحدثة، تتكون من كلمتي «إسلام» و«فوبيا» التي تعني الرهاب أو الخوف غير العقلاني من شيء يتجاوز خطره الفعلي المفترض. ووفقاً لقاموس «أكسفورد» الإنجليزي، فالإسلاموفوبيا هي الخوف والكراهية الموجهان ضد الإسلام، والتحامل والتمييز ضد المسلمين. لكن ما هو الخوف من الإسلام؟ هل هو الخوف من معتقداته الأساسية؟ أم هو الخوف من معتنقيه المهاجرين؟ وهل هو خوف ثقافي من أن تغير الثقافة الإسلامية للمهاجرين المسلمين من ثقافة المجتمعات الغربية؟ أم هو خوف من الإسلام في نسخته التي تروج لها تنظيمات إرهابية مثل «القاعدة» و«داعش»؟
في الحقيقة ليس للإسلاموفوبيا تعريف واضح ومحدد ومتفق عليه، لكنها آراء ومشاعر خائفة من الإسلام والمسلمين. ولطالما تم التساهل مع نشر الإسلاموفوبيا في وسائل الإعلام الغربية بذريعة حرية التعبير، لذلك نجد أنه وبعد عقدين من دخول المصطلح إلى الاستخدام العام، لا تزال الظاهرة غير معترف بها عالمياً كشكل من أشكال العنصرية.
لقد شهدت السنوات الماضية صعوداً لليمين المتطرف في أنحاء العالم، وتشير التوقعات إلى أن أحزابه في سبيلها لتحقيق مزيد من المكاسب الانتخابية في الغرب، وسيكون كل تركيزها الدعائي على موضوعات مثل الهجرة والأقليات والتدهور الاقتصادي. ويلاقي خطاب اليمين المتطرف رواجاً متصاعداً، لاسيما أن الخطاب الإعلامي العام يروج لصورة المسلمين كخطر يهدد ثقافة الغرب، وأنه لذلك السبب تنبغي مواجهتهم!
إن صعود الخطاب اليميني المتطرف تجاوز فكرة التنافس السياسي، واستقر منذ سنوات في مربع التحريض وإثارة الفتنة، مع ما لأفكاره من تأثير بعيد المدى على الأمن والاستقرار الاجتماعي، وعلى فكرة الاندماج والتعايش بين مكونات البلدان الغربية.
ولطالما انتُقِد الإعلام الغربي لدوره في تعزيز ظاهرة الإسلاموفوبيا، ولازدواجيته في تغطية الهجمات التي ينفذها مسلمون، مقابل تلك التي تستهدفُ المسلمين. لكن متابعة تغطيات وسائل الإعلام الغربية لهجمات نيوزيلندا تشير إلى تحول في السياسات التحريرية لمعظمها، حيث تم تناول الهجوم كعمل إرهابي، مع إبراز موضوعات عن الضحايا، وقصصهم، ومظاهر الدعم المقدمة.
وفي توصيف دقيق لذلك العمل الإرهابي قالت رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أردرن، في خطاب أمام برلمان بلادها: «سعى (منفذ الهجوم) لتحقيق عدة أهداف من عمله الإرهابي. وكان أحدها أن يكتسب شهرة. لهذا السبب لن تسمعوني أذكر اسمه أبداً. إنه إرهابي. إنه مجرم. إنه متطرف. وعندما أتحدث لن أذكر اسمه. وأناشدكم أن تذكروا أسماء الذين فقدوا حياتهم، بدلاً من ذكر اسم من أنهى حياتهم».
المطلوب اليوم عقلنة السياسة وإعادة تعريف ظاهرة الإسلاموفوبيا كتمييز عرقي ديني وكجريمة كراهية يسهل تعريفها ومعاقبة مرتكبيها والحد من انتشارها في وسائل التواصل الاجتماعي وعدم التسامح إزاء الخطاب السياسي الذي يروجها. فلإشارات والرموز والمرجعيات التي استندت إليها جريمة نيوزيلندا إنذار بتهديد استراتيجي للتعايش السلمي في المجتمعات الإنسانية حول العالم، وإلا فالعواقب وخيمة.