كان ذلك في ديسمبر 2018، وكنتُ في حفلي الثالث ضمن جولتي الفنية في الصين. انحنيت انحناءتي الأخيرة لتحية الجمهور وشكره، وفي يدي باقة زهور وردية وورقة منمقة. كنت قد انتهيتُ للتو من عرض موسيقي بأحد معاهد الموسيقى، وعلى ما يبدو قبلت للتو وظيفة أستاذة زائرة هناك.
وكنت قد هاجرتُ من أوديسا، في الاتحاد السوفييتي، إلى الولايات المتحدة أواخر الثمانينيات كلاجئة. الجولة التي قمت بها في الصين كانت مثل الالتقاء بماض مألوف: اللافتات، الخطابات الطويلة المنمقة، أنظمة التدفئة غير الفعالة، المراحيض التقليدية بدون ورق.. لكن وأنا أنظر إلى طابور عازفي البيانو الشباب، فكرت في أنني أقف وجهاً لوجه ليس مع الماضي، وإنما مع مستقبل الموسيقى الكلاسيكية.
لقد وجدتُ شغف طلبة الموسيقى الصينيين وحماسهم مذهلًا. كما كان ولع الجمهور واضحاً. ويبدو أن الشغف بموسيقى بيتهوفن وشوبان وتشايكوفسكي وشومان، ليس له أي علاقة بأي أجندة سياسية أو اقتصادية. والملحنون الموسيقيون الصينيون الأحياء مثل غاو بينغ وليو سولا يزاوجون، بين الاتجاهات الحديثة في الموسيقى الجديدة الصينية.
75 في المئة من طلبتي في جامعة كاليفورنيا صينيون أو أميركيون من أصل صيني. وعازفو البيانو الصينيون يعودون إلى بلدهم لنقل تقاليد الموسيقى الكلاسيكية بطرقهم المميزة الخاصة، بعد تخرجهم من أفضل المدارس الموسيقية في أوروبا والولايات المتحدة. هذا التبادل الموسيقي آخذ في النمو بشكل متزايد. فالمسارح وقاعات العرض قد تظل فارغة في مدننا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بعرض موسيقي كلاسيكي يقدمه فنان غير مشهور، لكن في الصين عزف موسيقى بيتهوفن/ شوبان ليس مملاً ولا أمراً قديم الطراز. والجمهور الصيني دائماً متعطش للمزيد.
والحاصل أن الموسيقى الكلاسيكية ليست بصدد الاحتضار في الصين. فجمهورها شاب وعاشق للموسيقى، ومسارحها مذهلة هندسياً ومليئة بالجمهور. والواقع أن المشهد السياسي الحالي في الصين معقد تعقيد البلد الذي غادرته نهاية الثمانينيات، لكنه يملك موهبة وإمكانية للنجاح والازدهار، ألا وهي: المفتاح لمستقبل الموسيقى الكلاسيكية.
إينا فاليكس
أستاذة البيانو بجامعة كاليفورنيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»