العلوم الإسلامية العقلية النقلية أربعة: اثنان عمليان واثنان نظريان. العمليان علم أصول الفقه وعلوم التصوف. والنظريان علم أصول الدين وعلوم الحكمة.
في علم أصول الفقه، غاية الوحي العمل، تحويل الوحي إلى نظام للعالم. الفعل صيغة أمرية، إيجاباً أم سلباً. والمقاصد للامتثال والتكليف. والأحكام للوجوب أو للتحريم ضرورة (الواجب والمحرم) أو اختيار (الندب والكراهة) أو طبيعة (الإباحة). ولا يجوز تكليف ما لا يطاق مع التخيير بين العزيمة والرخصة طبقاً للقدرة. وكل مسألة لا ينتج عنها أثر عملي كما يقول الشاطبي في «الموافقات» عارية عن العلم. وتطابق عمل المفتي مع قوله شرط للإفتاء. وتحقيق المصالح العامة هو الهدف الرئيسي من العلم بصرف النظر عن طرق الاستدلال.
والتصوف نزعة عملية تقوم على الرياضة والمجاهدة. الشريعة قبل الطريقة، والطريقة قبل الحقيقة. والمقامات جهد مبذول وعمل محصول قبل ورود الأحوال من عين الجود. المقامات مكاسب والأحوال مواهب. هو تصفية للقلب، وجلاء للمرآة قبل أن تنعكس عليها صور المعارف وحقائق العلوم. التصوف علم وعمل، نظرية وتجربة. هناك تصوف نظري وتصوف عملي، والعملي شرط النظري.
وفي علم أصول الدين جعل الخوارج العمل جوهر الإيمان. ومن لا عمل له لا إيمان له. ومرتكب الكبيرة الكافر لأن عمله خرج عن إيمانه، ولا توسط بين الاثنين. وحكم الكافر هو الإقصاء من جماعة المسلمين بل وجواز قتله إن لم يستتب. والعمل عند المعتزلة جزء مكمل للإيمان. الإيمان بلا عمل نفاق أو معصية ينافي الإخلاص والصدق. فالتوسط هنا في صالح العمل. وهو أساس قانون الاستحقاق في المعاد و«من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره».
وفي الأصول الخمسة عند المعتزلة العدل جوهر التوحيد. الجوهر بلا عدل ظلم. والعدل بلا توحيد قد يؤدي إلى نسبية العدل. ومن مظاهر العدل الحرية والعقل. يثبت وجود الله بالتوحيد، ويثبت وجود الإنسان بالحرية. «أنا حر فأنا إذن موجود». فالكوجيتو الإسلامي عملي وليس نظرياً.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساس علاقة الحاكم بالمحكوم، مثل الدين النصيحة. في هذه الحالة قول الحق فعل، فالساكت عن الحق شيطان أخرس. وأعظم شهادة قولة حق في وجه إمام ظالم. بل إن من صفات الله القدرة والإرادة. ومن صفات الإنسان كي يكون حراً قادراً على الفعل الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل وبعد الفعل، قبل الفعل استعداداً، ومع الفعل إنجازاً، وبعد الفعل أثراً وامتداداً. ثم أتت المسائل النظرية بعد ذلك، الذات والصفات والأسماء والأفعال أو النبوة والمعاد. فعلم أصول الدين عملي النشأة وإن كان نظري النهاية.
والحكمة قسمان: حكمة نظرية، المنطق والطبيعيات والإلهيات، وحكمة عملية: النفس والأخلاق والاجتماع والسياسة. الأخلاق علم عملي. لذلك ارتبطت بالتربية كما هو الحال عند «مسكويه» في «تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق». والاجتماع وصف لأنواع المدن وتقسيم العمل والتركيب الطبقي كما هو الحال عند الفارابي. وإذا كان اليونان قد أضافوا «تدبير المنزل» أي الاقتصاد باعتباره علماً عملياً فإن الحكماء قد أضافوا السياسة أحياناً مرتبطة بالاجتماع وأحياناً بالتاريخ باعتباره تراكماً سياسياً وميداناً تتحقق فيه قوانين السياسة.
*أستاذ الفلسفة- جامعة القاهرة