إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في الأول من فبراير تعليق الولايات المتحدة معاهدةَ الأسلحة النووية متوسطة المدى، ينبغي أن يثير قلق الجميع، وذلك بالنظر للأهمية البالغة للمعاهدة التي جعلت العالَمَ مكاناً آمناً وكانت أولَ اتفاقية نووية في التاريخ تحظر فئة كاملة من الأسلحة.
إدارة ترامب قللت من أهمية المعاهدة، لأن روسيا ألغت التزامها بها من خلال تطويرها صاروخ «كروز» يقضي على المعاهدة عملياً. ومن جانبهم، يقول الروس إن الولايات المتحدة هي مَن بدأت هذا السباق نحو القاع من خلال إعلانها الانسحاب من معاهدة الحد من الصواريخ الباليستية في 2001 وإقامتها أنظمة دفاع صاروخي بالقرب من حدود روسيا. لكن أياًّ يكن الأمر، فإنه لابد من الحفاظ على المعاهدة.
والواقع أن الانسحاب من معاهدات مراقبة الأسلحة لا يأتي من فراغ. فهذا الأسبوع، أعلنت «إدارة الأمن النووي الوطنية»، وهي جزء من وزارة الطاقة يشرف على إنتاج الأسلحة، أنها شرعت في إنتاج سلاح نووي جديد تعادل قوته ثلث قوة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما. هذه القنابل تُعتبر من قبل البعض «صغيرة بما يكفي حتى تستخدم»، ويمكن أن تصبح جاهزة للاستخدام بحلول نهاية العام الجاري.
مرحباً بكم في عصر انعدام الاستقرار النووي. إنه عصر خطير أخذت فيه المعاهدات التي كبحت أخطر الأسلحة في الكوكب تتبدد وتختفي، والتكنولوجيات الجديدة المهدِّدةُ -مثل الأسلحة السيبرانية التي يمكن أن تهاجم أنظمة القيادة والسيطرة النووية- تتقدم وتتطور. عصر يبدو أن احتمال وقوع حادث أو خطأ نووي فيه يزداد مع مرور كل يوم.
فاليوم، تعمل القوى النووية الرئيسية على الاستثمار في الترسانات بشكل كبير. وعلى سبيل المثال تخطط الولايات المتحدة لإنفاق أكثر من 1.2 تريليون دولار خلال الثلاثين عاماً المقبلة على أسلحة تزيد قدرة الأسلحة النووية الاستراتيجية على الاستهداف والقتل. ومن جانبها، تواصل الصين تحديث قواتها النووية، وهي مصممة على امتلاك قدرة على ضربة نووية ثانية باستثمارات في المنصات الأرضية والجوية والبحرية.
ومما يزيد الطين بلةً أن ثمة القليلَ جداًّ من قنوات الاتصال بين الخصوم، خاصة الولايات المتحدة وروسيا اللتين تمتلكان أكثر من 90 في المئة من الأسلحة النووية في العالم. لكن الخبر الجيد هو أنه يمكن وقف هذه الدوامة نحو الأسفل.
فالكونجرس لديه دور مهم ليلعبه في هذا الباب. وفي هذا الإطار، قال «آدم سميث»، الرئيس الجديد للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، إن مخططات إدارة ترامب بخصوص الإنفاق النووي ليست ضرورية من أجل الردع ولا هي ذات كلفة معقولة. وسيكون للجنته دور في تحديد أي أنظمة الدفاع ستحصل على تمويل، وأي منها لن تحصل عليه. وبإمكانه أن يبطئ بشكل مهم مخططات نشر واستخدام هذه الأسلحة الجديدة.
كما تستطيع الأغلبية «الديمقراطية» الجديدة في مجلس النواب عقد جلسات استماع حول ما إن كانت الأسلحة التقليدية تمثل بديلاً استراتيجياً على نحو مماثل للأسلحة النووية، مع خلق مرونة أكبر بخصوص سبل استخدامها. ويعتقد خبراء كثيرون، مثل وزير الدفاع الأميركي الأسبق ويليام بيري، أن من شأن رد تقليدي أن يكون بنفس القدر من الفعالية إن لم يكن أكثر. ومما لا شك فيه أن صناع القرار الأميركيين مدينون لبلدهم بنقاش قبل إنفاق مبالغ كبيرة والإسهام على نحو غير ضروري في سباق تسلح جديد.
ومن جانبها، ينبغي على إدارة ترامب الاستجابة للمقترح الروسي ببدء مفاوضات حول تمديد اتفاقية «ستارت الجديدة» للحد من التسلح، التي من المقرر أن ينقضي أجلها في 2021. وهذه الإدارة قد رفضت المقترح الروسي فور تسلمها مهامها. وبالفعل هناك أسباب وجيهة للتشكك في دوافعها، غير أن تجنب الحوار يمنح روسيا فوزاً سهلاً في معركة البروباجندا ويسمح لها بمواصلة خرق التزاماتها القليلة المتبقية بموجب الاتفاقية. ومن جانبها، ينبغي على موسكو أن تبعث مفاوضين جادين إلى المحادثات، وليس مسؤولين سياسيين من دون قدرات على صنع القرار، مثلما فعلت من قبل.
ولا شك أنه باستطاعة الكونجرس إيجاد طرق لاستئناف المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا، بما في ذلك المحادثات بين الجيشين، تركز على الأسلحة النووية بشكل خاص. مثل هذه المحادثات كانت شيئاً مألوفاً خلال الحرب الباردة، ولكنها باتت غائبةً إلى حد كبير اليوم. ولهذا، ينبغي استئنافها الآن في وقت تزداد فيه احتمالات الحوادث النووية والتصورات الخاطئة نووياً. فالجانبان لديهما مصلحة مشتركة في حماية مستقبل البشرية. لكن مثل هذا الحوار يصبح أكثر صعوبة في وقت يواجه فيه الرئيس دونالد ترامب اتهامات بعلاقات سرية مع موسكو. فالحوار مع روسيا سيكون هدفاً سائغاً يوظّفه «الديمقراطيون» ضد «الجمهوريين»، مع اقتراب موعد حملة الانتخابات الرئاسية. وبالتالي فإن ضبط النفس ضروري.
وخلاصة القول أنه على كل اللاعبين، «جمهوريين» و«ديمقراطيين»، أميركيين وروس، أن يتصرفوا كأشخاص راشدين في ما يتعلق بالأمن النووي، فقد دخل العالم عصراً خطيراً من عدم الاستقرار. وأفعال إدارة ترامب، وعلى غرار إنشاء أسلحة نووية ذات قوة تفجيرية أصغر، والانسحاب من اتفاقيات مراقبة الأسلحة.. لا تزيد الأمور إلا تعقيداً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2019/02/01/opinion/inf-nuclear-weapons.html