لطالما نظرتُ إلى بريطانيا والولايات المتحدة مثل توأمين. لكن بريطانيا أقدم وربما أكثر رصانة قليلاً من توأمها الأكبر والأكثر ضجيجاً على الجانب الآخر من الأطلسي. وأحياناً يتشاجران أو يسيء أحدهما التصرف، لكنهما يقفان، بصفة عامة، معاً كمدافعين عن الديمقراطية وفوائد العولمة. ثم حلت انتخابات عام 2016. أولاً، تمت الموافقة على الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي «بريكسيت» الذي تم الترويج له بشعارات أصبحت هشيماً بعد الصعوبة التي يواجهها السياسيون في انتزاع اقتصاد كبير من حليفه التجاري الأساسي. وأعقب هذا إزاحة ترامب منافسيه «الجمهوريين» قبل أن يلحق الهزيمة بمنافسته «الديمقراطية». وكلا الحدثين الكبيرين مدمران لكلا البلدين. لقد فتحا الباب للشقاق وفتح الباب للمتطرفين القوميين. وأصاب الحدثان بعض المتفائلين الذين يأملون في حياة أفضل بالإحباط، وأحبطا أيضاً آمال المؤمنين بالقيم الليبرالية المشتركة مثل حقوق الإنسان والتسامح.
لكن مهما يكن من الألم الذي تسببه توجهات ترامب، إلا أن تأثيرها سيتلاشى بمجرد أن يترك المنصب، وحتى إذا فاز ترامب بفترة ولاية ثانية، سيظل «بريكسيت» عملاً أشد ضرراً. لكن على الأقل سيترك ترامب المسرح ذات يوم. وفي المقابل نجد بريطانيا تعيش فوضى تمنعها من تكوين فكرة واضحة عن كيفية ترك الاتحاد الأوروبي بعد ستة أسابيع من الآن. وموعد تطبيق «بريكسيت» النهائي المقرر في 29 مارس قد يتأجل بسبب حالة الشلل في «ويستمنستر»، لكن يُرجح أن نخرج نحن، البريطانيين، من التكتل بصرف النظر عن الضرر الذي يلحق باقتصادنا وثقافتنا ومجتمعنا. ومازال يلوح في الأفق كارثة حافة هاوية الخروج من دون التوصل إلى صفقة.
وهناك دلائل بالفعل تشير إلى تأثير انتقال أصول الشركات إلى الخارج وبطء النمو وهبوط الاستثمار. وقرار «نيسان» في الآونة الأخيرة بتجاهل مبلغ مقدم من الحكومة البريطانية بقيمة 76 مليون دولار لإنتاج سيارة جديدة في مصنعها في «سندرلاند» شديد الدلالة. وتقع «سندرلاند» شمال البلاد، وصوتت بكثافة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. ومصنع «نيسان» يمثل رمزاً لإحياء قوة بريطانيا في ثمانينيات القرن العشرين في ظل قيادة رئيسة الوزراء البريطانية حينذاك مارجريت تاتشر. فقد روجت تاتشر لوجود الشركة اليابانية هناك على أساس أن بريطانيا هي «بوابة أوروبا» داخل أكبر تكتل تجاري في العالم لكن بريطانيا أكثر حرية من جيرانها.
وجسد إحياء تاتشر لصناعة السيارات التي كانت راكدة من قبل، بتشجيع ملكيات الأجانب، النهضة الاقتصادية البريطانية حينذاك. هذا بالإضافة إلى الإجراءات الأكثر أهمية لتقليص القواعد التنظيمية عام 1986، مما فتح الحي المالي في لندن أمام المستثمرين من كل أنحاء العالم. وتأثير «بريكسيت» سيتكشف على الأرجح ببطء. لكن هذه التأثيرات ستتضمن استثمار الشركات في مناطق أخرى، وتفاقم المشكلات في المناطق المتعثرة التي أيدت «بريكسيت»، وتقليص عائدات الدولة. فقد أعلن «جيمس ديسون» أحد الشخصيات البارزة التي أيدت «بريكسيت» وهو ملياردير في مجال التكنولوجيا أنه سينقل مقر شركته إلى سنغافورة.
بريطانيا أطلقت رسالة مفادها إقامة جدران مكان الجسور. إنها جدران أقل ظهوراً للعيان لكنها أشد قدرة على العرقلة من الجدار الذي يريد ترامب بناءه. وحتى إذا ظل السلام يعم أيرلندا ولم تنفصل اسكتلندا، وظلت لندن تحتفظ بفنانيها ورجال بنوكها، ستضر رسالة «بريكسيت» بثروة وقوة بلاد زادتها العولمة قوة. والبرلمان الشهير بأنه أبو برلمانات العالم فقد صوابه وحزب «المحافظين» الحاكم أظهر احتقاراً للأنشطة الاقتصادية ومنافسه العمالي استحوذ عليه مريدو كارل ماركس. ترامب مروع لكنْ «بريكسيت» عمل تخريب أكبر وأطول أثراً.

أيان بيريل
كاتب خطب رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون
واشنطن بوست