شكلت استضافة العاصمة أبوظبي، الأربعاء 13 فبراير، اجتماعَ مجلس إدارة التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع، خطوة مهمة لتعزيز دور ومكانة دولة الإمارات العربية المتحدة، لدى المنظمات الدولية المهتمة بالتراث العالمي وصيانته من العبث والاندثار، كما يدخل اختيار أبوظبي لاستضافة هذا الحدث منذ سنة 2016 تثميناً للوعي المتنامي لدى العديد من حكومات العالم بأهمية الحفاظ على التراث، والنهوض به من خلال العديد من النشاطات السنوية والموسمية داخل الدولة وخارجها.
لقد اكتسبت دولة الإمارات خلال السنوات القليلة الماضية، خبرة كبيرة في مجال صون التراث المحلي والعالمي، واستطاعت أن تفرض نفسها كلاعب رئيس في هذا المجال، ومن ثم فإن منحها شرف استضافة اجتماع مجلس إدارة التحالف الدولي لحماية التراث وإطلاق «إعلان أبوظبي»، شكّل المرحلة الحاسمة في تأسيس تحالف دولي جديد وإنشاء صندوق دعم للبرامج والمشاريع الرامية إلى حماية التراث الثقافي وإنشاء شبكة دولية من الملاجئ لصون الممتلكات الثقافية المعرضة للخطر.
إن روح المبادرة التي أظهرتها دولة الإمارات، ودرجة إيمانها بأهمية خدمة تراث البشرية، تمخضتا عن نتائج عدة، أسهمت بدورها في خدمة مبادرة صون التراث التي أطلقتها الإمارات بالشراكة مع فرنسا، فترجمت تلك الشراكة إلى واقع عملي ملموس في شهر مارس عام 2017، كما انضمت إليها دول أخرى مثل المملكة العربية السعودية والكويت ولوكسمبورغ والمغرب والصين وسويسرا، إلى جانب عدد من المؤسسات المهمة في المجتمع المدني مثل مؤسسة أندرو وليام ميلون، وشخصيات غربية بارزة في مجال العمل الإنساني.
أما الدور الذي تضطلع به المبادرة الإماراتية الفرنسية لصيانة التراث العالمي فيكمن في مواجهة الدمار الكبير الذي باتت تتعرض له مواقع التراث الثقافي الإنساني في منطقة الساحل الإفريقي ومنطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، وخاصة تلك التي يعود أغلبها إلى العصور القديمة وتتقاسم الإنسانية قيمتها.
ويتجسد الدور الإماراتي الفرنسي في دعم وحماية التراث في المناطق التي تشهد النزاع المسلح، وذلك من خلال التمويل والوقاية، والتدخلات الطارئة وتمويل المشاريع التأهيلية بعد انتهاء الصراعات، إلى جانب دعم جهود السلام والتنمية المحلية وتشجيع التنوع الثقافي واستعادة التلاحم الاجتماعي. وهي الجهود نفسها التي تتسق مع رسالة دولة الإمارات العربية المتحدة إلى العالم.
تلك الرسالة التي تقوم على الحفاظ على التراث المهدد بالدمار في مناطق النزاع وحمايته من بطش الجماعات المتشددة وعصابات تهريب الآثار، ولذا فإن تنظيم دولة الإمارات العديد من المهرجانات التراثية والفعاليات التي تحتفي بالتراث والإرث الحضاري للشعوب، يدخل في سياق تلك الرسالة، فضلاً عن كون الإمارات تحتضن العديد من المتاحف والقلاع والقصور التاريخية التي تعتبرها رمزاً للإنسانية جمعاء، وتنفق على ترميمها ووقايتها من الاندثار والدمار والاختفاء، الكثير من الأموال.
لقد تبنت دولة الإمارات منذ عقود عدة سياسة واعية في دعم التراث بصفة عامة، سواء تعلق الأمر بالمقتنيات الأثرية والمعالم التاريخية أو الفرق التراثية الشعبية التي تستعرض الفنون التقليدية التراثية. ولهذا، فإن دائرة الثقافة والسياحة بالدولة تدعم بشكل مستمر جمعيات للفنون والتراث الشعبي التي تربط الماضي بالحاضر وتنقله إلى الأجيال اللاحقة. كما تحرص على حماية المواقع الأثرية وتعمل بصورة مستمرة على تقديم هذه المباني والمواقع بالصورة اللائقة التي تحفظ لها هويتها الوطنية.
ومن جهة أخرى، تمكنت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، من جعل الإمارات مركزاً ثقافياً يوازي من حيث أهميته الأهمية الاقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة، فنجح في المزج بين هويتها العربية والانفتاح على ثقافات الشعوب الأخرى بشكل أصبحت معه عاصمة الإمارات، جسراً للتواصل والحوار بين الحضارات.
فبفضل هذه الجهود تواصل دولة الإمارات استلهام أفكار الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في الحفاظ على التراث وتبني منهجه، وهي الأفكار التي تقوم على تحقيق التوازن بين النهضة العمرانية التي تشهدها العديد من المنشآت الوطنية، والحفاظ على الهوية التراثية المحلية.
*عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.