شهدت المعدلات الدولية للاستهلاك البشري من اللحوم، تزايداً هائلاً خلال العقود الخمسة الماضية، بلغ قرابة الخمسة أضعاف، وبالتحديد من 70 مليون طن في الستينيات إلى 330 مليون طن سنوياً حالياً. ويرد جزء من هذه الزيادة الهائلة في الاستهلاك، إلى الزيادة المماثلة التي حدثت في عدد أفراد الجنس البشري خلال نفس الفترة، من حوالي 3 مليارات في عقد الستينيات، إلى أكثر من 7.5 مليار حالياً. وإن كان لا يمكن للزيادة في عدد البشر –حوالي مرتين ونصف خلال نفس الفترة– أن يفسر وحده الزيادة بمقدار خمسة أضعاف في حجم الاستهلاك العالمي من اللحوم.
السبب الآخر –والأهم– الذي ترد إليه هذه الزيادة، هو ارتفاع مستوى الدخل الفردي خلال نفس الفترة. حيث تظهر البيانات أن متوسط الدخل الشخصي للفرد من المنظور العالمي، قد تضاعف ثلاث مرات خلال نصف القرن الأخير. والمعروف أن ارتفاع مستوى الدخل، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بارتفاع استهلاك اللحوم. فعلى سبيل المثال، كان معدل استهلاك الفرد في الصين خلال عقد الستينيات، لا يزيد على 5 كيلوجرامات من اللحوم في السنة، ومع حلول عقد الثمانينيات ارتفع هذا المعدل إلى 20 كيلوجراماً، ومع استمرار النمو الاقتصادي بلغ معدل استهلاك الفرد الصيني أكثر من 60 كيلوجراماً حالياً. وهو ما يعني أن الجيل الحالي في الصين، يستهلك 12 ضعف ما كان يستهلكه الجيل السابق من اللحوم سنوياً.

وبوجه عام، تتميز شعوب الدول ذات الدخل الشخصي المرتفع حالياً، بأعلى معدلات من الاستهلاك الشخصي من اللحوم. فعلى سبيل المثال، يستهلك الفرد الواحد في الولايات المتحدة، وأستراليا، ونيوزيلندا، والأرجنتين، أكثر من 100 كيلوجرام من اللحوم في السنة، أو ما يعادل نصف بقرة كاملة، أو خمسين دجاجة للفرد الواحد.

كما يستهلك الفرد في غالبية الدول الأوروبية ما بين 80 إلى 90 كيلو جراماً للفرد، وعلى المنوال نفسه في دول أميركا اللاتينية، ودول الخليج العربي، والصين، ودول وسط آسيا، يبلغ معدل الاستهلاك الفردي ما بين 50 إلى 100 كيلو جرام، وذلك مقارنة بالعديد من دول شرق آسيا، وغالبية الدول الأفريقية، والتي يقل الاستهلاك الفردي للحوم في الكثير منها عن 10 كيلوجرامات في السنة، مثل نيجيريا بمعدل استهلاك 9 كيلوجرامات فقط، أو إثيوبيا بمعدل استهلاك سنوي للفرد يقل عن 7 كيلوجرامات، أو أقل من 10 في المئة من متوسط استهلاك الفرد في الدول الأوربية.
ورغم أن تناول كميات معتدلة من اللحوم ومنتجات الألبان، يحمل في طياته فوائد صحية، وخصوصاً في الدول منخفضة الدخل، التي يفتقد غذاء أفراد شعوبها للتنوع والتوازن، فإن فرط استهلاك اللحوم يحمل أيضاً في طياته مخاطر صحية. حيث تواترت مؤخراً الدراسات العلمية التي تظهر أن فرط استهلاك اللحوم، وخصوصاً اللحوم الحمراء، واللحوم المصنعة، يعتبر عامل خطر خلف الإصابة بأمراض القلب والشرايين، وبالسكتة الدماغية، وببعض أنواع الأمراض السرطانية.
وهو ما حدا بمنظمة الصحة العالمية عام 2015، إلى الإعلان من خلال الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (The International Agency for Research on Cancer)، بأن اللحوم المصنعة يمكن أن تصنف كمواد مسببة للسرطان، كما يحتمل أن تكون اللحوم الحمراء في شكلها الطبيعي هي الأخرى مسرطنة، وإن كان لا يوجد بعد دليل كافٍ للتأكيد على ذلك. وتُعرف اللحوم المصنعة على أنها اللحوم التي أدخل عليها تعديل، أو تغيير، أو تبديل، من خلال: التمليح، أو التخمير، أو التعتيق، أو التدخين، أو إضافة مواد حافظة، أو أي من الأساليب التي تتبع لتغيير أو زيادة النكهة. ومن الأمثلة على اللحوم المصنعة الشائعة: «الهوت دوج»، والنقانق أو السجق، والبولوبيف أو الكورن-بيف، والسلامي، واللحوم المعلبة. وبخلاف التبعات الصحية لفرط استهلاك اللحوم، وخصوصاً اللحوم المصنعة، تفرض تربية المواشي لإنتاج اللحوم، ضريبة بيئية باهظة، كون المواشي لا تتمتع بكفاءة عالية في تحويل العلف إلى لحوم، حيث تحتاج البقرة الواحدة إلى 25 كيلوجراماً من العلف، لإنتاج كيلوجرام واحد من اللحم. وهو ما يتطلب زراعة وإنتاج آلاف الملايين من الأطنان من العلف، للحصول على مئات الملايين من الأطنان من اللحوم التي تستهلك حالياً، بما يتضمن ذلك من استهلاك مبالغ فيه للمصادر المائية، وفي الأراضي الزراعية، وما ينتج عنه من إفراط في استخدام المبيدات الحشرية، والأسمدة الزراعية، وفي إنتاج غازات الاحتباس الحراري مثل الكربون والميثان.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية.