جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال التعاون المستدام، وأيضاً من أجل التقارب النوعي الهادف للتواصل الإيجابي بين الديانات، ونشر ثقافة قبول الآخر المختلف حقيقةً لا جدال فيها تؤكد يوماً تلو الآخر للعالم أجمع بأنها مثال يُحتذى به في تعزيز التقارب والتسامح بين الشعوب والثقافات. وها هي تستضيف رمزاً دينياً كاثوليكياً كبيراً في حوار عالمي بين الأديان حول «الأخوة الإنسانية»، في أول زيارة لحبر أعظم إلى شبه الجزيرة العربية، والتي لطالما كانت منذ آلاف السنين أرض تعايش بين المعتقدات المتنوّعة، وجاء الدين الإسلامي ليقرّ بأن الدين لله وحده والعبادة وممارسة الدين للبشر، وكل إنسان حر فيما يختاره من معتقد يؤمن به ولا إكراه في الدين، والتعامل بين البشر أساسه الاحترام المتبادل لحق العيش الكريم ومراعاة العدالة والمساواة دون تمييز أو تفريق، ونظرة الإنسان لأخيه الإنسان كروح سامية لا كديانة أو لون أو عرق أو تقاليد، وذلك لرأب الصدع بين المجتمعات، وتعزيز فرص التعايش السلمي بين الحضارات، ونزع فتيل التوترات المفتعّلة من أجل عالم أكثر أماناً وسلاماً وتسامحاً.
فمعظم الخلافات بين المنتمين للديانات والمعتقدات المتنوعة كانت في الغالب نتيجة سوء الفهم وقلة المعرفة بالآخر، وعدم الدخول في حديث مباشر معه بغرض التعلّم وتبادل المعرفة من دون تمرير الأحكام المتأثرة بالانطباعات، وما تمّ حشوه في عقول الناس من معلومات مبنية على أحكام مسبقة وعلى وجهات نظر ضيقة، وتحيّز للرأي الخاص بالثقافة والدين الذي يؤمن به الشخص، وأنا شخصياً لا أعتقد بأن «الحوار بين الديانات» هو المصطلح الصحيح لتنمية التعاون بين النخب الدينية والثقافية المهتمة بالشأن الديني، كون عقيدة كل إنسان هي حرية شخصية وخاصة بشخصه وحده، ولكن الحوار يكون بغرض الاستفادة من التجارب الناجحة في هزيمة التعصب والغلو، وجعل الشعوب أكثر تحاباً والتركيز على أنسنة المفاهيم الدينية، وبناء الجسور لتقريب وجهات النظر حول أفضل الممارسات لعدم جعل الموروث التاريخي الدموي بين الديانات عائقاً بين قبول كل طرف للآخر.
وضيف البلد الكبير «البابا فرنسيس» بابا الكنيسة الكاثوليكية قد عمل ولا يزال يعمل بشكل كبير على تشجيع التوافق بين رموز الديانات، وقد أعلنت دولة الإمارات تقديراً لضيفها الكريم عطلةً للعاملين في القطاع الخاص، وهو إجراء يسمح لهم بالمشاركة في «قدّاس البابا  فرنسيس» الذي أداه  أمس في أبوظبي خلال زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة، مما يؤكد الجهود المستمرة التي تبذلها الدولة لتسهيل الحوار بين رموز الأديان، والذي يتزامن أيضاً مع «عام التسامح»، وزيارة البابا تزامنت مع زيارة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، مما سيوفر خلفية للزعيمين الدينيّين لمناقشة تعزيز الإخاء البشري والسلام العالمي.
وبدورها تتمتع الإمارات العربية المتحدة بتاريخ طويل من الحوار بين الأديان وحرية التعبير الديني، وفي عام 1965 أنشئت الكنيسة الكاثوليكية الأولى في البلاد في أبوظبي، كما وجد علماء الآثار بقايا كنيسة ودير في جزيرة صير بني ياس يعود تاريخها إلى القرن السابع الميلادي، واليوم هناك ما مجموعه 76 من الكنائس وغيرها من أماكن العبادة في الإمارات العربية المتحدة، كما وتبرعت الحكومة أيضاً بالأراضي لبناء أماكن جديدة للعبادة. وبالتالي فإن حرية ممارسة الأديان مكفولة بموجب القانون في الإمارات، ما تُعدُ نموذجاً عالمياً، والتنوّع لا يشكل تهديداً، ولكنه مصدر إلهام لجعل الدولة الأكثر تسامحاً على مستوى العالم، وهذه الإيماءات والجهود المستمرة من الدولة لإنشاء بيئة من التسامح والوئام في المجتمع، ويعدّ التفاعل اليومي والتبادل الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بين أكثر من 200 جنسية في الدولة في حد ذاته شكلاً من أشكال الحوار المستمر، والذي يصف بشكل أفضل حالة العلاقات المسيحية-الإسلامية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتأخذ الإمارات العربية المتحدة التسامح بجدية فائقة، حيث قامت بتعيين «وزير الدولة للتسامح»، ووفقاً للأرقام الحكومية في دولة الإمارات العربية المتحدة يعيش حوالي مليون مسيحي من مختلف الطوائف في الإمارات، ويعتقد بأن 70-75% منهم من الطائفة الكاثوليكية وزيارة البابا هي أغلى هدية رمزية تقدمها الدولة لهم.