مع قيام الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل، بسحب معظم قواتها من سوريا في الأشهر القادمة، تبرز روسيا باعتبارها القوة الوحيدة في المنطقة التي يمكن أن تتصرف بشكل رسمي لمنع إسرائيل وإيران من تحويل سوريا إلى ساحة للقتال، بحسب ما يرى محللون. بعد التدخل في سوريا عام 2015 لإحداث تغيير في الأوضاع لصالح نظام الأسد، استخدمت روسيا انخراطها لتعزيز الثقل الاستراتيجي في منطقة شرق البحر المتوسط وسوريا. وعلى الرغم من أن موسكو كانت حتى الآن تراقب الخلاف من على الهامش، إلا أن احتدام الصراع بين إسرائيل وإيران من الممكن أن يهدد المكاسب التي تم تحقيقها في سوريا –وأن يدفع روسيا إلى كبح التصعيد.
يقول «دانييل شابيرو»، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل «إنه أمر محفوف بالمخاطر»، في إشارة إلى المواجهة. واستطرد «إذا وصلت عمليات الانتشار التي تقوم بها إيران في سوريا إلى حد أنها تشكل تهديدا استراتيجيا لإسرائيل، أو إذا جعلت إسرائيل تتدخل بطرق تؤدي إلى زعزعة نظام الأسد، ربما يحث هذا روسيا لوضع بعض القيود على أحد الطرفين أو كلاهما».
ويأتي موقف روسيا المُعَضَّدٌ في الشرق الأوسط مع تعقيدات: فهي تجد نفسها عالقة في وسط معركة بين قوتين إقليميتين. فقد لعبت طهران دورا مكمّلا إلى جانب موسكو في دعم الرئيس السوري بشار الأسد خلال الحرب الأهلية. لكن وجودها العسكري في سوريا يقلق إسرائيل، التي كانت تشن حملة علنية ضد القوات الإيرانية وشحنات أسلحتها التي ترسلها إلى «حزب الله» اللبناني. وفي أعقاب عملية التبادل، التي تضمنت ضربة إسرائيلية لاحقة حول دمشق في 21 يناير، أسفرت عن مقتل نحو عشرين جندياً، قيل إن من بينهم إيرانيين وسوريين، كان رد فعل موسكو يشير إلى إجراء موازنة.
وبعد أكثر من يوم من الصمت، أدانت روسيا إسرائيل بسبب هجماتها «التعسفية» في سوريا. ولكن في نهاية هذا الأسبوع، قال نائب وزير الخارجية «سيرجي ريابكوف» إن موسكو تتفهم حاجة إسرائيل إلى وجود «أمن قوي» وقلل من شأن التحالف الروسي مع إيران.
وباعتبارها أقوى قوة منتشرة في سوريا، تتمتع روسيا بنفوذ على كلا الجانبين. من ناحية، لديها تفاهمات قاطعة مع إسرائيل تسمح للجيش الإسرائيلي بضرب إيران وحلفائها في سوريا. ومن ناحية أخرى، لديها موردون للأسلحة إلى الجيش الإيراني. في العام الماضي، عرضت روسيا إنشاء منطقة عازلة في جنوب سوريا لتكون منطقة محظورة بالنسبة للقوات الإيرانية. لكن الإسرائيليين كانوا مترددين في الوثوق في روسيا فيما يتعلق بأمنهم. يقول «دور جولد»، المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وأحيانا مستشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للسياسة الخارجية «في نهاية المطاف، يمكن للجيش الإسرائيلي أن يحمي إسرائيل من جهود إيران لتقويض أمنها وتهديد وجودها، ومع ذلك، هناك قوى أخرى يمكن أن تؤثر على الاعتبارات الإيرانية في المستقبل».
وأضاف «وبينما تسعى روسيا إلى إعادة تأسيس وجودها الذي كانت تتمتع به في شرق البحر المتوسط أيام الاتحاد السوفييتي، فإنها لا تريد أن تحول إيران سوريا إلى «قمر صناعي» إيراني. وبعبارة أخرى، فإن المصالح الإيرانية والروسية ليست متطابقة». وأوضح جولد «سواء كانوا يفضلون استخدام الوسائل التي لديهم أم لا، هذا لم يتضح بعد، لكنهم يعتبرون قوة قوية في الشرق الأوسط». ومن جانبه، يشبّه «إيهود إريان»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حيفا في إسرائيل، الصدام الحالي بين إسرائيل وإيران بتدخل سوريا في الحرب الأهلية اللبنانية في منتصف سبعينات القرن الماضي. في ذلك الوقت، قام وزير الخارجية «هنري كيسنجر» بالوساطة بين إسرائيل وسوريا لتجنب التصعيد. ويقول إن دورة العنف الحالية تشكل إشارة بين إيران وإسرائيل حول قواعد اللعبة في سوريا.
وأردف «يحاول كلا الطرفين وضع المعايير والخطوط الحمراء لواقع ما بعد الحرب: إلى أي مدى يجب على إيران التغلغل في سوريا، ومدى قربها للحدود الإسرائيلية، وما نوعية الذخائر التي يجب أن تمتلكها». واستطرد إريان «إن القوة الأقوى والأكثر فعالية على الأرض حاليا هي روسيا. والمشكلة مع روسيا هي أن لديها مصالحها الخاصة، والتي ربما تتعارض مع إسرائيل. كما أن لديها الأجندة الخاصة بها، والتي قد تتفق أحيانا مع إيران وأحيانا لا تتفق». وقال إن روسيا وإسرائيل هما «أعداء وأصدقاء في نفس الوقت».
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»