الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، السبت الماضي، إلى موقع «مدافن جبل حفيت» في مدينة العين، الذي يعود تاريخه إلى العصر البرونزي «3000-2700» قبل الميلاد، تعكس بوضوح الاهتمام الذي توليه القيادة الرشيدة في الإمارات للتراث الوطني، والحرص على إبقائه حياً في قلوب وعقول الأجيال الجديدة، باعتباره أهم روافد الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية والمجتمعية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
لقد أكد سموه أن «المحافظة على طابع مدينة العين التاريخي، وجميع الآثار فيها، هي رؤية بدأ تنفيذها المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لإدراكه الواسع أهمية التاريخ والتراث الحضاري الإنساني والمحافظة عليه، بالنظر لما تضمه من مواقع أثرية وتاريخية وحضارية تنقل صورة الحياة في هذه المنطقة للعالم خلال آلاف السنين». تمتلك الإمارات العديد من المواقع الأثرية الثرية التي تعود إلى أزمنة تاريخية قديمة، تعبر في جوهرها عن عمقها الحضاري والإنساني، فموقع «مدافن جبل حفيت» التاريخي عثر فيه على بعض النحاسيات والأواني الفخارية والخرز الملون، حيث اختار سكان المنطقة الأوائل منذ حوالي 5000 سنة الجرف الشمالي والمنحدرات الشرقية لهذا الجبل لدفن موتاهم، كما أظهرت المكتشفات الأثرية في متنزه «مزيد» بالعين، والتي تعود إلى فترة العصر الحجري الحديث، أن المنطقة كانت مأهولة بالسكان منذ ما لا يقل عن 7000 عام، وكانت على اتصال تجاري مع الحضارات القديمة المبكرة التي نشأت في منطقة بلاد الرافدين والمعروفة حديثاً بالعراق.
كما يعد متحف العين، بمقتنياته النادرة من المكتشفات الأثرية والتاريخية، واحداً من أهم المتاحف التي تزخر بها الإمارات، خاصة أن كنوز المتحف لا تقتصر فقط على آثار مدينة العين وضواحيها، بل تتعداها أيضاً إلى العديد من آثار الإمارات، التي تعود في تاريخها لأكثر من 5000 عام، وتعكس تاريخ وحضارة المنطقة، في حقب زمنية متباينة، حيث يضم المتحف مجموعة من القطع التراثية التي تمثل الحياة الاجتماعية في الدولة، قبل عصر النفط.
إن توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، بضرورة المحافظة على طابع مدينة العين التاريخي، وجميع الآثار فيها، تعبر عن توجه ثابت، أسسه المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حيث كان يؤمن بأهمية التاريخ والتراث الحضاري الإنساني والمحافظة عليه، وقام بإنشاء العديد من المؤسسات المتخصصة التي تعمل لهذا الهدف، كنادي تراث الإمارات، وقرى التراث التي تمثل متاحف مفتوحة لتعريف روادها وزائريها من المواطنين والمقيمين بالموروث الشعبي الإماراتي وطبيعة حياة الأجداد والآباء في مرحلة ما قبل عصر النفط، لتكون خير شاهد على حجم الإنجازات الحضارية التي وصلت إليها الإمارات الآن، وهو التوجه الذي تعززه الآن القيادة الرشيدة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، من خلال العديد من المبادرات والمشاريع التي تستهدف الحفاظ على عناصر التراث التاريخي والثقافي، بدءاً من الاهتمام بالمتاحف، مروراً بتطوير عمليات إدارة المناطق ذات القيمة الثقافية الكبيرة، بما في ذلك المواقع الأثرية والواحات والمباني التاريخية، والاهتمام كذلك بعناصر التراث المعنوي التي تشمل التراث المحكي والعادات والتقاليد التراثية، فضلاً عن الاعتماد على أصحاب الخبرة من آثاريين وخبراء وفنيين في مجال تثمين وصيانة التراث الوطني.
إن اهتمام الإمارات بالتراث الوطني والحفاظ عليه، وبإحيائه في وجدان الأجيال الجديدة باعتباره يمثل ذاكرة الوطن الخالدة إنما يعكس رؤيتها التنموية الرائدة، في المزج بين الأصالة والمعاصرة، والانفتاح على العالم، في إطار الحفاظ على الخصوصية والهوية الوطنية، منخرطة في الوقت نفسه بالجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى الحفاظ على التراث العالمي، لأنها تؤمن بأن التراث أينما كان فهو إرث إنساني، يعبر عن تاريخ المجتمعات البشرية، ينبغي العمل على إحيائه باعتباره مصدر إلهام للأجيال الجديدة، وعاملاً معززاً للتقارب والتعايش بين الثقافات والحضارات.
عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية