فاجأ الرئيس ترامب حلفاءه الشهر الماضي، وربما أقرب مستشاريه، بإعلان عزمه سحب القوات الأميركية من سوريا. وخشي المنتقدون لهذا التحرك من تلاعب روسيا وإيران بترامب؛ بينما تأسّف آخرون على ما اعتبروه خيانة أميركية أخرى للأكراد. واستقال وزير الدفاع الأميركي «جيم ماتيس» احتجاجاً، وعجّل مسؤول كبير في وزارة الخارجية كان مشرفاً على الحملة ضد تنظيم «داعش» رحيله عن منصبه غاضباً.
لكن الآن، لم يعد من الواضح تماماً متى، وما إذا كان، سيحدث ذلك الانسحاب المحفوف بالمخاوف. وقد بدت ردّة الفعل العنيفة في واشنطن بمثابة عقاب لترامب، لذلك مدّد الموعد النهائي لسحب القوات من شهر إلى أربعة أشهر. ومنذ حينه، دأب المسؤولون في الإدارة على التعتيم بشأن الموعد النهائي، وأخبروا المراسلين بأنه ليس هناك جدول زمني للانسحاب.
وفي قلب الفوضى، هناك انقسام واضح داخل البيت الأبيض، فترامب الذي يتبنى نوعاً من الانعزالية القومية، حريص على الانسحاب من المغامرات العسكرية المكلفة التي لا تحقق له داخلياً سوى مردود سياسي ضعيف. وخلافاً لرهبان الحزب الجمهوري، لم يكن ترامب مهتماً بإطاحة الرئيس السوري من السلطة. وفي ديسمبر الماضي، أعلن هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي، رغم أدلة كثيرة على عكس ذلك، وقال إن كلاً من تركيا والدول العربية هي من ينبغي عليها مواجهة التنظيم.
ويرى كثير من «الصقور» في واشنطن، ومنهم رموز بارزة في الإدارة الأميركية، الأمور من منظور مختلف تماماً. فوزير الخارجية «مايك بومبيو»، ومستشار الأمن القومي «جون بولتون» ومبعوث ترامب الخاص لسوريا «جيمس جيفري».. يعتقدون جميعاً أن التدخل العسكري الأميركي في سوريا لم يكن هدفه هزيمة المسلحين المتطرفين فقط، وإنما مواجهة النفوذ الإيراني أيضاً.
وفي هذه الأثناء، لا يبدو أن كبار مسؤولي البنتاجون مقتنعين بأن «داعش» قد هزم. وقد أعرب مسؤولون عسكريون عن تحفظات بشأن الانسحاب السريع؛ إذ أن المتطرفين، وإن كانوا قد أُضعفوا بشدة، لا زالوا يمثلون تهديداً كبيراً، بينما تواصل تركيا إعطاء الأولوية لمحاربة «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة أميركياً!
وزار بعض المسؤولين البارزين خلال الأيام الأخيرة منطقة الشرق الأوسط، لطمأنة الحلفاء بأن البيت الأبيض لا يزال ملتزماً تجاه مصالحهم الأمنية. لكنهم ما زالوا يُخفون الخلاف داخل الإدارة حول الخطوات التالية.
وزار «بولتون» إسرائيل وتوجّه إلى تركيا، برفقة مبعوث ترامب إلى سوريا، ورئيس هيئة الأركان المشتركة. وفيما بدا تناقضاً مع موقف ترامب، أكد «بولتون» للصحفيين أنه لن يجري أي انسحاب من سوريا إلى أن يُهزم «داعش»، وتضمن تركيا سلامة الوحدات الكردية السورية المتحالفة مع أميركا.
وتشي الحقائق على الأرض بأن الجدول الزمني سيكون مفتوحاً، فالخلاف الدبلوماسي مع تركيا، التي تعهدت بشن عملية عسكرية ضد الوحدات الكردية عبر حدودها، يبدو معقداً بشدة. وقد يكون الضمان الأمني للأكراد السوريين «شرطاً جديداً غير قابل للتحقيق»، حسبما أفاد «فيصل إيتاني» من مؤسسة «المجلس الأطلسي» للأبحاث.
وبعد أن رأت أكبر الفصائل الكردية السورية المسلحة خياراتها تتضاءل، فتحت محادثات مع نظام الأسد، طالبةً الدعم العسكري ضد هجوم تركي محتمل.
واحتفى الصقور في واشنطن بما اعتبروه تغيراً واضحاً في موقف ترامب، لكن آخرين يعتبرون التغييرات الأخيرة مجرد دليل آخر على الارتباك والاختلاف داخل الإدارة بشأن أجندتها الخارجية.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»