سواء انعقدت القمة الاقتصادية العربية الرابعة في 19 و20 يناير الحالي في بيروت، أو لم تنعقد بسبب الخلاف حول دعوة سوريا لحضورها، مع تأجيل البحث في موضوع عودتها إلى جامعة الدول العربية إلى قمة الملوك والرؤساء العرب العادية المقرر انعقادها في مارس المقبل في تونس، فإن ذلك يحصل نتيجة تفاعل خلافات عربية مستحكمة، في وقت تشهد فيه المنطقة تطورات سياسية وأمنية في خضم الصراع الإقليمي والدولي، قد ينتج عنها تحالفات جديدة، تتطلب إعادة تموضع البلدان العربية على الساحة الدولية، التي تستعد بدورها لاستقبال أزمة اقتصادية عالمية مرتقبة في عام 2020. وإذا كانت المسألة السورية أصبحت محورية بسبب سيطرة النفوذ الروسي وأبعاده، فإنها ليست البوصلة الوحيدة لمسيرة إعادة التموضع العربي التي تتطلب استراتيجيات بعيدة المدى ترافق السياسات الآنية الضرورية لإنهاء النزاعات، خصوصاً أن الصراعات القائمة تشكل عرقلة جديدة أمام النمو الاقتصادي، وإنماء المجتمعات العربية، وأخذ جيل الشباب إلى عتبة الطموحات الطبيعية، بدلاً من الوقوع ضحية استقطاب وتجنيد التطرف والإرهاب.
لقد أجمعت معظم التقارير على أن الصراعات الأمنية والسياسية التي بدأت عام 2011 مع «الربيع العربي»، وهي حالياً في عامها الثامن، أنتجت خسائر مالية واقتصادية كبيرة قدرت بأكثر من تريليون دولار، وأثرت بشكل مباشر على نحو 87 مليون شخص في أربعة بلدان عربية وهي: العراق، سوريا، ليبيا، واليمن، وفق تقرير البنك الدولي، أي نحو ثلث سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
قبل صراعات «الربيع العربي»، وخلال الفترة 2005 إلى 2010، بلغ النمو الاقتصادي في الدول العربية نحو 6 في المئة، وهي نسبة تعكس حالة البحبوحة المالية، نتيجة الاستفادة من فائض استثمارات النفط وارتفاع سعر البرميل، لكن هذا النمو تراجع إلى 3,5 في المئة خلال الفترة من 2011 إلى 2014، وارتفعت حاجتها الاستثمارية من 450 مليار دولار إلى 700 مليار دولار. واستمر تراجع النمو حتى وصل إلى 1,8 في المئة عام 2017 وفق أرقام البنك الدولي التي توقعت ارتفاعه إلى نحو 3 في المئة عام 2018، وأن يحافظ على هذا المستوى في عام 2019. وفي حال تحقق ذلك، فهو مايزال بعيداً عن المعدل المطلوب والذي يتراوح بين 5 إلى 6 في المئة سنوياً، كي تتمكن أسواق العمل العربية من استيعاب العمالة الجديدة وتحقيق خفض نسبي لمعدلات البطالة.
القمة الاقتصادية الرابعة، كان يحب أن تنعقد عام 2015، وقد تأجلت مرات عدة بسبب صراعات «الربيع العربي»، وسبقها انعقاد ثلاث قمم اقتصادية عربية، (قمة الكويت 2009، قمة شرم الشيخ 2011، وقمة الرياض 2013)، وتم فيها اتخاذ سلسلة قرارات مهمة تتعلق بتحقيق التكامل العربي وأهداف التنمية الاقتصادية، ولكن هذه القرارات بقيت من دون تنفيذ على أرض الواقع، لأنها تحتاج إلى آليات للتكامل، وإمكانيات فنية ومادية للتنفيذ، ومستوى رفيع من القدرة والتمكن والخبرة العالية للقيادة والمبادرة، مقارنة مع الأداء الحالي لمنظومة العمل الاقتصادي العربي المشترك وآلياتها التي تقتصر مهمتها على التنسيق فقط. ولا يختلف المراقبون في توصيف المأزق التنموي الذي وصلت إليه المنطقة، من تخلف معرفي، وهشاشة في البنى الاقتصادية، وتفشي الظلم الإنساني، وكلها وليدة عقود من التشرذم والإخفاق في نهج التنمية السياسية والاقتصادية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية ضرورة تنفيذ إعلان شرم الشيخ الصادر عن الدورة 26 للقمة العربية التي عقدت في أواخر مارس 2015 الذي أكد على الأهمية القصوى للتكامل الاقتصادي العربي، واعتبره جزءاً لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي العربي، وبالتالي لا خيار أمام البلدان العربية، إذا شاءت اللحاق بركب التقدم، سوى إعادة ترتيب البيت العربي، انطلاقاً من تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية تمهيداً لإقامة الاتحاد الجمركي، ثم السوق العربية المشتركة عام 2020.