يحتل الاقتصاد الروسي حالياً المرتبة الحادية عشرة بين أكبر اقتصادات دول العالم، ويُقدر حجمه (أي الناتج المحلي الإجمالي) بنحو 1,44 تريليون دولار، لكن هذه المرتبة لا ترضي طموح الرئيس فلاديمير بوتين الذي أعلن مؤخرا «أن بلاده ستعمل للانضمام إلى الدول الخمس الأكبر في الاقتصاد العالمي»، متجاوزاً التداعيات السلبية للعقوبات الأميركية والأوروبية، بسبب أزمة أوكرانيا، والتي ألحقت خسائر كبيرة زادت عن 16 مليار دولار، بعدد من الشركات التي شملتها. ورغم إقراره بتأثيرها السلبي، إلا أنه قلل من أهمية ذلك التأثير على الاقتصاد الروسي الذي وصفه بأنه «تكيف مع العقوبات»، مشيراً في الوقت نفسه إلى «أن خسائر الاقتصاد الأوروبي بلغت نحو 500 مليار يورو، جراء خسارته للسوق الروسية». ولكن هل يستطيع بوتن تحقيق طموحه؟ ومتى؟
في الواقع تعاني روسيا من مؤشرات سلبية عدة، أدت إلى تباطؤ نمو اقتصادها، فالاقتصاد العالمي ينمو سنويا بمعدل 3,5 في المئة، والاقتصاد الروسي سجل في العام الحالي نموا بين 1,5 إلى 2 في المئة، مع الأخذ بالاعتبار استفادته من ارتفاع أسعار النفط خلال العشرة أشهر الأولى. وتوقع خبراء من المدرسة الروسية العليا للاقتصاد تباطؤ النمو عام 2019 حتى 1,3 في المئة، وأن يتسارع إلى 1,6 في المئة عام 2020، وإلى 1,9 في المئة عام 2021. وكشفت مديرة البنك المركزي «إلفيرا نابيولينا» عن قناعتها بحاجة الاقتصاد الروسي إلى تغييرات هيكلية، والانتقال إلى نموذج جديد، لضمان النمو في حال بقاء الظروف الخارجية على حالها.
لكن يبدو أن بوتن في مساعيه لتحقيق طموحه، يأخذ بالاعتبار علاقاته الدولية وإنجازاته في الخارج، وعندما بدأت روسيا تدخلها العسكري في سوريا، كانت الاعتبارات السياسية محفزها الأساسي، أكثر من الاقتصادية، ولكن مع ترسيخ موطئ قدمها تدريجياً، وجدت أمامها فرصة كبيرة لتوسيع نفوذها، فالحرب السورية، شكلت لها بوابة العودة إلى الإقليم والعالم، لاستثمار هذا النفوذ الكبير والقوي لضمان مصالحها السياسية والاقتصادية. وتسعى في الوقت نفسه للاستفادة من قيادتها مع الصين لدول تكتل «بريكس» الذي يضمهما مع ثلاث دول أخري هي الهند، البرازيل، وجنوب أفريقيا، خصوصا أن لدى هذا التكتل فرصة ليكون أقوى تكتل اقتصادي في العالم، مع العلم أن «البنك الآسيوي للاستثمار» يعمل في البنية الأساسية، بجانب «بنك التنمية الجديد»، الذي أسسته المجموعة، كبديل ومنافس للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين تهيمن عليهما الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
إن ترتيب دول العالم اقتصاديا، يتم بالاستناد إلى أبحاث ودراسات تهتم بإعدادها مجموعة من المنظمات الاقتصادية الدولية، وأجمعت عدة تقارير على توقع حدوث تغيرات مهمة في مراكز القوى الاقتصادية في العالم، وترتيب الدول الخمس الأكبر، وفق تطورها حتى عام 2050، ومنها تقرير صدر عن «pwc»، وهي شركة مهنية متخصصة بالشؤون الاقتصادية، وقد حمل مفاجآت عدة أهمها، أن الصين ستحتل المرتبة الأولى بحجم اقتصادي 58,499 تريليون دولار، بدلا من الولايات المتحدة التي تتراجع إلى المرتبة الثالثة بـ 34,102 تريليون دولار، وتأتي الهند في المرتبة الثانية بـ 44,128 تريليون دولار، وإندونيسيا في المرتبة الرابعة بـ 10,502 تريليون دولار، ولأول مرة تحتل دولة إسلامية هذه المرتبة، يأتي بعدها البرازيل في المرتبة الخامسة بـ 7,54 تريليون دولار.أما الاقتصاد الروسي يتوقع أن يحتل المرتبة السادسة بحجم 7,131 تريليون دولار. وفي حال تحققت هذه التوقعات يكون بوتن قد حقق طموحه بإنجاز كبير يجعل روسيا على أبواب نادي الدول الخمس الكبرى من دون أن تدخل إلى عضويته، لكنها ستحصل على دعم كبير من حلفائها، أي الصين والهند والبرازيل، في إطار تكتل «البريكس»..
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية