لن يقوم القتلة الموالون لصدام حسين بهزيمة جورج دبليو بوش في العراق· كذلك شأن الإسلاميين الجهاديين الذين يمارسون الآن التشويه والأذى في شوارع بغداد بدلاً من ممارسة ذلك في أجواء مانهاتن أو شمال فيرجينيا · إن الشخص الوحيد القادر على هزيمة بوش في العراق هو بوش نفسه·
ويمكن لـ بوش ، ومعه فريق الأمن القومي المخضرم ذو الخبرة الاستثنائية، أن يخسروا في العراق بإغلاق عقولهم والدوران حول العربات بلا جدوى- وبتأويل الانتقادات واختلاف الآراء بأنها هجمات سياسية الغرض منها تقويض الرئيس وسياساته· وقد عمل ليندون جونسون على ذلك النحو في فيتنام وتعثر فسقط في الهزيمة، هذا بحسب ما تذكّره هذا الأسبوع الصوت الحذر للسيناتور جون ماكين · إن هكذا نتيجة كارثية في العراق ليست محتومة بقدر ما كانت مرغوبة، فالولايات المتحدة خلّصت الشرق الأوسط من طاغية مجرم؛ كما يتمتع الأميركيون بمقدرة التغلب على القتلة وتقديم المساعدة في إصلاح المجتمع الممزق· غير أن الإدارة الأميركية لن تحقق هذه الأهداف إذا كانت تتعامل مع الصراع في العراق باعتباره تمريناً في الحكمة وصدق العزيمة من جهة الرئيس ، وهو التمرين الذي لا بد من الدفاع عنه في كل دقائقه وتفصيلاته، ومهما كان ثمن ذلك·
لقد تشكّل جو من الثقة المتبادلة- أو على الأقل، جو من الشك المتبادل- في الأسابيع القليلة الماضية مع دخول سلطات الاحتلال والزعماء السياسيين العراقيين في مشاحنات ومناوشات حول مسائل السلطة والصلاحيات والسيادة المستقلة·
وقد جرى في واشنطن تأويل المساعي، التي بذلها أعضاء مجلس الحكم لحشد التأييد الدولي لقضيتهم، بأنها محاولات لتوفير الراحة لمنتقدي أميركا من الأجانب· والأسوأ من ذلك، في نظر الإدارة، تلك التعليقات الانتقادية التي أدلى بها العراقيون ووجهوها إلى البيت الأبيض وأعضاء مجلس الشيوخ وهي تتعلق بالموازنة التي وضعتها الإدارة وبلغت قيمتها 20 مليار دولار لإعادة الإعمار، وذلك باعتبار أن تلك الموازنة كانت تتعرض لهجوم المرشحين الديمقراطيين·
وبكل فظاظة قام بول بريمر ، وهو ممثل بوش في بغداد، بإبلاغ أعضاء المجلس الذين يعبرون عن الإحباط من عدم منحهم صلاحيات أكبر، بأن عليهم أن يستخدموا الصلاحيات والصلاحيات التي تخلى لهم عنها··· وفقط! وقد صار الجو مشحوناً بالتوتر الشديد الذي بلغ درجة دفعت الكثير من أعضاء المجلس إلى الامتناع عن حضور الاجتماعات واللقاءات مع بريمر ·
تدور هذه النزاعات دون أن تحظى بالانتباه في الولايات المتحدة، ويتردد صداها على الفور في أرجاء بلد مثل العراق، حيث السياسة باتت مسألة حياة أو موت وليس مسألة حكم ، وحيث تجري ممارستها في أغلب الأحيان في السر أو على نحو غير مباشر· وإن التردد والانقسامات فوق القمة لا يؤديان إلا إلى تعميق المشكلة السياسية الأساسية التي يواجهها الاحتلال الأميركي: إنها مشكلة رفض العراقيين السُنّة، الذين يعيشون في المناطق المحيطة ببغداد، المشاركة في النزاع الدائر الذي ما زالت نتائجه حتى الآن غير مؤكدة ولا واضحة في نظرهم·
ومن حسن الحظ أن بوش أطلق إشارات في مؤتمره الصحفي يوم الثلاثاء الماضي موحياً بأنه مستعد لإجراء تصحيحات طارئة دقيقة طفيفة لكن مهمة في العراق - وفي المجالات الأخرى في السياسة الخارجية- والتي قد تساعد على نزع فتيل التوتر بين واشنطن وبغداد·
وقد أكّد بوش على الحاجة إلى إشراك العراقيين بعمق أكبر في المساعي الاستخباراتية والأمنية التي تبذلها سلطة الائتلاف· وقد أتى ذلك متزامناً مع تقديم اللجنة الأمنية التابعة لمجلس الحكم أول اقتراحات نوعية لها حول هذه الموضوعات وذلك في الاجتماعات مع سلطات الاحتلال في بغداد·
وقد التزم بوش موقف العناد الصلب وأكد أنه سيعالج التحديات في العراق حتى النهاية· لقد قيل لي إنه في السر أكثر إصراراً حول عدم إعلان نصر مزيف ثم الهروب من العراق، وهذا بالضبط ما تنبأ بحدوثه على يد بوش بعض الديمقراطيين البارزين· ويقول مساعدو بوش إن ذلك ليس من طبيعته ولا يصب في مصلحته السياسية·
غير أن الرئيس اعترف بأنه قادر على النظر إلى العدو وضبط الوضع في العراق، وفي أمكنة ومجالات أخرى كما هو مفترض· وقد أشار، في شأن كوريا الشمالية، إلى أننا قد اخترنا ألاّ نقوم بتجميع استراتيجية متعددة الجنسيات للتعامل مع السيد كيم يونغ إيل· وليس كل إجراء يتطلب رداً عسكرياً، وهي غاية لا تتحقق دوماً على يد إدارة أكّدت على اعتمادها على القوة الأميركية والعزم الأميركي·
كان في مقدور بوش أن يقوم بتوسيع تلك الغاية لتشمل إيران، حيث ساعدت الإدارة بهدوء على صياغة شكل ثم دفع المبادرة الأوروبية إلى الأمام حتى قامت الأسبوع الماضي بتأمين تعهدات إيرانية جديدة بالاحجام عن تطوير الأسلحة النووية· غير أن الاستئثار بالفضل في ذلك لن يساعد الأوروبيين، ومن شأنه أن يعني المخاطرة بالتحريض على خلافات جديدة ضمن الإدارة حول الطريقة التي ينبغي بها التعامل مع طهران·
بعد أن تصرف في الشأن العراقي، ربما بات بوش الآن م