في مطلع هذا العام، حاولت أن أتناول كم المآزق التي يواجهها الصحفيون في العالم. ولاحظت أن عام 2017 كان العام الأكثر خطورة بالنسبة للمراسلين بحسب ما تسعفني الذاكرة، وتوقعت أنه من المرجح أن يكون العام التالي أسوأ. لم يكن من الصعب التكهن بهذا، نظرا لأن كل الإشارات تشير إلى هذا الاتجاه. ولكن لم تكن هناك وسيلة أستطيع بها، أنا أو أي شخص آخر، توقع مدى السوء الذي سيكون عليه عام 2018.
إطلاق نار جماعي على الصحفيين في غرفة الأخبار بإحدى المؤسسات الصحفية الأميركية، وسجن صحفيين من «رويترز» في ميانمار بموافقة من رئيسة وزراء البلاد «أونج سان سو كي». كما قتل العشرات من المراسلين بسبب عملهم بينما سُجِن مئات آخرون. هكذا سيتم تذكر حالة الصحافة في 2018.
ربما لا تبدو مدينة «سانتا فيه»، عاصمة ولاية نيو ميكسيكو الأميركية، مكانا واضحا للاجتماع ومناقشة هذا الاتجاه. ومع ذلك، كنا خلال الأسبوع الماضي، في تجمع فريد للصحفيين من جميع أنحاء العالم – بوجود ممثلين من أكثر من أربعين دولة – لمناقشة قضية الصحافة تحت التهديد. من دون شك، فإن هذه هي واحدة من أكثر التحديات التي تواجه المجتمعات الحرة اليوم.
قبل عام، بدأ مضيفو المؤتمر في التخطيط للحدث الرئيسي المقرر عقده في العام التالي. وبرزت بعض القضايا الملحة للغاية وغير المتوقعة، مثل العلاقة بين الصحافة والديمقراطية.
وقالت «ساندي كامبل»، المدير التنفيذي لمجلس «سانتا فيه»، والمنظم لمؤتمر «الصحافة تتعرض للهجوم» الذي تستمر فعالياته على مدى أربعة أيام: «بمجرد أن قمنا بمسح المشهد الوطني، وأجرينا اتصالاتنا الإعلامية المحلية، بدا قرار التركيز على الصحافة أمرا حتميا».
إنه مؤشر واضح على أن المجتمعات خارج كبرى المدن الساحلية في الولايات المتحدة تدرك تماماً الأزمات التي تلوح في الأفق والتي تواجه الصحافة، حيث إن الصحف المحلية الأصغر هي جزء من التكتلات الكبيرة أو يتم استيعابها فيها والقصص من هذه المجتمعات تتلاشى من الرؤية العامة.
والجمع بين هذا العدد الكبير من الصحفيين من أماكن حيث يواجه إعداد التقارير المستقلة مثل هذه التهديدات الواضحة يعد تذكيرا بما هو في خطر.
ولننظر إلى الهند. هناك عدد كبير من قراء الصحف يفوق عدد مواطني الولايات المتحدة –ومع ذلك، فإن الهند، أكبر ديمقراطية في العالم، مسجلة ضمن الدول التي بها أكبر عدد من الصحفيين الذين لقوا حتفهم هذا العام.
وفي الوقت الذي يوضح فيه الرئيس الأميركي ازدراءه للصحافة في بلاده وكذلك عدم اهتمامه بحقوق الإنسان في الخارج، فقد استغلت الحكومات في جميع أنحاء العالم سلبية واشنطن. إنهم يستخدمون ذرائع واهية -تتمثل الذريعة المفضلة بالنسبة لهم في تهديدات غير مؤكدة للأمن القومي –للإبقاء على الصحفيين الشرفاء خلف القضبان، دون اتباع إجراءات قانونية، لسنوات عديدة.
في الولايات المتحدة، يُمنع المراسلون من الدخول إلى البيت الأبيض لطرح سؤال بالغ الأهمية، أو يكونون مهددين من قبل الغوغاء في الحشود السياسية، أو يتم إطلاق النار عليهم في غرف الأخبار (صالات التحرير). ومن بين جميع الأماكن التي عانت فيها حرية التعبير، ربما تكون أكبر مأساة أننا فشلنا في توفير الحماية الكافية لما يمكن اعتباره أكثر حقوقنا قيمة.
تحتوي كل القصص على متغيرات فريدة، وهي تحدث في أماكن تفصلها عن بعضها البعض قارات، بيد أن هذه ليست مشكلة منفصلة. بل بالأحرى علامة على هذه الأوقات. وإذا لم نكن يقظين، فإن الأمور ستزداد سوءا.
وقد سمعت من الحاضرين في هذا المؤتمر روايات مروعة من غير المرجح أن يُكتب عنها في أي مكان آخر. صحفيون شجعان مثل «جيني مونيه» التي تكتب عن مجتمعات السكان الأصليين في الولايات المتحدة. فأثناء تغطيتها لاحتجاجات «ستاندنج روك» في عام 2017، تم القبض على «مونيه». وأمضت الصحفية القادمة من منطقة «لاجونا بويبلو» ليلة في السجن وعدة أشهر في قضية قانونية مطولة في داكوتا الشمالية لإثبات براءتها. أو هناك «أربانا شهارا» وهي صحفية من كوسوفو والتي على الرغم من تعرضها للضرب لدرجة نقلها إلى المستشفى وكذلك تلقيها العديد من التهديدات بالقتل، ما زالت تكتب عن المتاعب التي لا نهاية لها والتي تواجه منطقة البلقان، سواء كانت محلية أو مفروضة عليها من الخارج.

ربما تبدو مثل هذه القضايا بعيدة عن تجربتنا، ولكن هذا لم يعد صحيحا كما كان يوما ما. فنحن نعيش لحظة يمكن أن تحدث فيها في أي مكان.
ولكن من المشجع للغاية أن تجد المئات من سكان سانتا فيه يناقشون هذه القضايا ويطرحون أسئلة عن كيفية إبلاغ الأخبار، وما الذي يمكن أن يفعله كل مواطن لحماية وتعزيز حرية التعبير، وما مدى أهميتها بالنسبة لمستقبل الديمقراطية. تقول كامبل «آمل أن يرفع هذا الحدث الوعي بالنسبة للتهديدات التي يواجهها الصحفيون باعتبارهم وكلاء لتتبع الحقيقة واكتشافها».
كاتب في قسم آراء عالمية (جلوبال اوبينيون) بصحيفة «واشنطن بوست»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»