تناولتُ الغداء هذا الأسبوع مع صديق عربي، وكما كان متوقعاً، سرعان ما انتقل موضوع الحوار إلى دونالد ترامب، والتأثير الذي يتركه على حياتنا السياسية، ورؤية العالم لأميركا والشعب الأميركي. صديقي كان يدرك جيداً إلى أي مدى ساعد انتخابُ ترامب وسياساته وأعماله التحريضية المتكررة على تغذية مشاعر العداء تجاه مؤسسات أميركا وأشكال كثيرة من التعصب – مثل العنصرية، ومشاعر العداء تجاه المهاجرين واللاجئين، والإسلاموفوبيا، ومعاداة الأجانب. غير أنه في لحظة من اللحظات، بادرني بالقول: «هناك أيضاً جانب إيجابي في ما يفعله ترامب». سألتُه: «أي جانب إيجابي؟». فراح يشرح لي بأنه كمراقب للمشهد الأميركي منذ وقت طويل، يرى أنه إذا كانت العنصرية وأشكال أخرى من عدم التسامح لطالما ميّزت الحياة الأميركية، فإن التهديد الحقيقي الذي تطرحه سلوكيات ترامب أرغم قطاعاً واسعاً من المؤسسات الأميركية والزعماء السياسيين على التصدي لهذه الشرور بقوة وحزم. وكما قال لي، فإن «عنصريتك وجهود محاربتها باتت اليوم مكشوفة وعلنية».
قبل خمسة عقود، أرغمت حركةُ الحقوق المدنية الأميركية البيتَ الأبيض والكونجرس على تمرير قوانين تنهي الفصل العنصري، وتضمن حقوق التصويت، وتوسّع الفرص الاقتصادية للأميركيين الأفارقة. ولكن هذه القوانين، ورغم التقدم الذي مثّلته، لم تنهِ العنصرية. صحيح أنها وفّرت قدراً من العدالة لضحاياها، ولكن سُم مشاعر العداء العنصرية استمر في الغليان تحت السطح وكان يُستغل من قبل الساسة «الجمهوريين»، من نيكسون إلى ريجان إلى بوش. ولم يحاول أي رئيس أميركي مواجهة العنصرية مباشرة حتى جاء بيل كلينتون. وقد لقيت جهود هذا الأخير من أجل إشراك الأميركيين في نقاش وطني حول العرق ترحيباً كبيراً، ولكنها نفِّذت بشكل سيء ولم تعمر طويلاً.
كثيرٌ من الأشخاص العقلاء والطيبيين ظنوا خطأ أنه مع انتخاب باراك أوباما، «تجاوزت» أميركا مشكلة العِرق أخيراً. ولكن وكما اكتشفنا سريعاً للأسف، فإن الحزب «الجمهوري» كان مصمِّماً على أخذ البلاد في الاتجاه المعاكس عبر استغلال «اختلاف» أوباما واستخدامه لبناء معارضة للرئيس الجديد. وهكذا، بعثت شعاراتٌ لـ«الجمهوريين» من قبيل «نريد استعادة بلدنا» برسالة غير مشفرة جداً إلى الناخبين البيض مفادها أن إدارة أوباما لا تهتم بأحوالهم.
كما وُظف «اختلاف» أوباما أيضاً في دعاية اليمين المتطرف الذي روّج عنه إشاعات من قبيل أن «أوباما مسلم» أو أن «أوباما ليس أميركياً، بل كيني» – وبالتالي، ليس رئيساً شرعياً. هذه الأفكار تبنتها بشكل كبير قواعد الحزب «الجمهوري»، وكان لها تأثير مدمر وطويل. فقد وجدنا في استطلاعات رأي في 2016 أن ثلثي ناخبي ترامب تقريباً يعتقدون أن أوباما ليس مسيحياً، كما أن أغلبية منهم لم تكن واثقة من أنه ولد في الولايات المتحدة.
ومن جانبه، كان الرئيس أوباما في وضع صعب. ذلك أنه كان يرى بوضوح الطريقة التي يستغل بها خصومه العرق والإسلاموفوبيا ضده، ولكن قدرته على التحرك ومقاومتهم كانت تحدُّ منها حقيقةُ أنه كان هدفاً لتلك الهجمات. ولهذا، فإن المطلوب من أجل وقف نمو تلك الكراهية كان هو رد قوي من الزعماء «الجمهوريين»، والحال أنه باستثناء جون ماكين الذي كان يتحدث بشكل صريح ومن دون خوف في بعض المناسبات، فإن معظم الزعماء «الجمهوريين» في الكونجرس والمرشحين للرئاسيات كانوا يشاركون في إذكاء نيران عدم التسامح أو يؤكدونه بصمتهم.
وعندما صعد دونالد ترامب إلى واجهة المشهد كمرشح رئاسي في 2016، تباطأ «الجمهوريون» في القيام برد فعل. ذلك أنه في البداية، كانوا مقتنعين بأن ترشحه سينهار. وفي كل مرة كان يرتكب فيها عملاً مثيراً للجدل، كانوا يقولون لأنفسهم: «هذه ستكون نهايته». ولكنه ازداد قوة لأنهم لم يفهموا أن وحش العنصرية و«الخوف من الآخر» الذي لطالما أطعموه بات الآن مستعداً لالتهامهم.
والحق أن بعض «الجمهوريين» ندّدوا بترامب علانية، ولكنهم أيضاً عقدوا السلام مع ترامب في نهاية المطاف لأنهم كانوا يخشون خسارة دعم ما يسمونه «قاعدته الانتخابية» – أي أن كتلة الناخبين الغاضبين الذين كانوا يشعرون بالتجاهل والخيانة ويشعرون الآن بأن لديهم بطلاً يتحدث باسمهم.
وإذا كنا – نحن الأميركيين – نحب أن نتحدث بشاعرية عن «قيمنا ومثلنا»، فإن الكثير من المراقبين عبر العالم يعرفون تاريخنا والمشاكل التي تبتلي مجتمعنا. ويعرفون خطايانا الأولى في ما يخص العبودية، والإبادة الجماعية ضد الشعوب الأصلية، والغزو الإمبريالي للقارة الأميركية الشمالية، وإخضاع شعوبها. كما يعرفون استمرار العنصرية والطريقة التي أثّرت بها على مجتمعنا وسياساته – الداخلية والخارجية.
ما كان يقوله صديقي العربي هو أن الغطاء قد رُفع الآن فأضحى كل شيء مكشوفاً. فعنصريتنا لم تعد مخفية، ولم يعد يعبَّر عنها برسائل مشفرة، بل تناقَش باعتبارها خطراً ليس بالنسبة للمجتمعات التي تستهدفها الكراهية فحسب، ولكن بالنسبة لفكرة نوع المجتمع الذي نريد إنشاءه.
ومع امتداد حوارنا، أدركتُ أن صديقي لم يكن خبيث الطوية، بل كان مسروراً وسعيداً بحدة النقاش والرفض العام لخطاب ترامب وسياساته. وعليه، فإن مقاومة استهداف ترامب للسود واللاتينيين والمسلمين واللاجئين، ولتشجيعه للقوميين البيض، مهمةٌ جداً ليس فقط لأنها الشيء الصائب الذي ينبغي القيام به، ولكن أيضاً لأنها تساعد على إعادة صنع صورة أميركا على الساحة العالمية.