انتخاب الكوري الجنوبي كيم جونج يانج رئيساً للشرطة الدولية (الإنتربول) قضى على الخوف من وقوع منظمة التعاون الشُرطي العالمي تحت سيطرة روسيا. لكن الجدل الذي اكتنف الانتخابات يكشف عن قضية أهم وهي كيف تظل المنظمات الدولية ممثلة للجميع من دون أن تكون عرضة للانتهاك؟ فقبل انتخاب «كيم» راج على نطاق واسع أن المرشح الروسي «الكسندر بروكوبتشوك» هو المرشح الأوفر حظاً في الفوز برئاسة الإنتربول بعد اعتقال الرئيس السابق «مينج هونجوي» بشأن اتهامات فساد في بلاده الأم الصين. لكن التصويت في الجمعية العامة للإنتربول التي تضم مندوبين من 194 دولة كانت أكثر ميلاً بكثير نحو «كيم». وسواء لعب الضغط الغربي في اللحظة الأخيرة دوراً أم لا، فقد أيد ثلثا المندوبين المرشح الكوري الجنوبي.
خسارة «بروكوبتشوك» خبر جيد، لأنه ينتمي لفرع في الشرطة الروسية اشتهر بالتعذيب. ولو عُيّن رئيساً للإنتربول، لكان هذا استخفافاً برؤى المواطنين الملتزمين تجاه احترام القانون. وكان وجود صيني في هذا المنصب مثار استغراب أيضاً، حيث اُتهمت الصين وروسيا وأنظمة أخرى، بإساءة استخدام «الإنذارات الحمراء» للإنتربول التي تعرض الأفراد للاعتقال أثناء سفرهم.
ومن السهل تخيل تغلب الأصوات الأخرى على الولايات المتحدة وحلفائها في سباق أكثر احتداماً عن ذاك الذي كان بين «كيم» و«بروكوبتشوك»، فهل يجب على الدول الغربية التهديد بالانسحاب في كل مرة تجد نفسها معرضة لخسارة تصويت ما؟ مثل هذا التصرف يتعرض لانتقادات كأن يُقال إن الولايات المتحدة لا يحلو لها المشاركة في المنظمات متعددة الأطراف إلا لتسيطر عليها. وهذه رسالة ليست جيدة في عالم تتمزق فيه التحالفات وتظهر فيها أقطاب نفوذ متعددة. والولايات المتحدة نفسها في ظل قيادة ترامب تُبدي عدم ثقة في أي آليات تعاون متعددة الأطراف. ومازالت الدول الغربية بالطبع هي أكبر ممول للمنظمات العالمية متعددة الأطراف. وفي وقت مبكر هذا الشهر، أشار معهد «بروكينجز» إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وألمانيا قدمت نصف تمويل 53 منظمة دولية، من بينها 34 تحت رعاية الأمم المتحدة، بين عامي 2014 و2016.
لكن خبرة التمويل وصناعة القواعد ليست الشروط الوحيدة المهمة في التعامل مع عدد كبير متنوع من الأعضاء لا يلتزمون بالقواعد غالباً. ومن المفترض أن القواعد تقضي بأن يكون لكل عضو صوت. وإذا لم يجر الالتزام بهذه القاعدة، وكان للأصوات الغربية أهمية أكثر، لما كان للقواعد قيمة.
وكي نضمن الحفاظ على النظام الديمقراطي من دون أن نؤذي مشاعر أحد، يجب علينا تقليص سلطات المناصب المنتخبة. فرئاسة الإنتربول، على سبيل المثال، وظيفة شرفية إلى حد كبير. ووفقاً لميثاق المنظمة، ليس للرئيس دور في إدارة أعمال الإنتربول اليومية، أي تنسيق المساعدة المتبادلة لقوات شرطة الدول الأعضاء وتوجيه فريق العمل وإدارة الميزانية والتعامل مع قاعدة البيانات. وهذه وظيفة الأمانة العامة ورئيسها الذي تختاره اللجنة التنفيذية المؤلفة من 13 عضواً من أكبر المتخصصين وتوافق عليه بعد ذلك الجمعية العامة. ولن يكون فوز «بروكوبتشوك» بالرئاسة سيعطيه على أي قدر أكبر من السلطة باعتباره واحداً من ثلاثة نواب لرئيس الإنتربول، وفوزه- الذي لم يتحقق- كان سينقل رسالة سلبية عن احترام القانون الذي من المفترض أن يحفظه الإنتربول.
ومن الوسائل الأخرى للتعامل مع التوترات الكامنة وسط الدول الأعضاء ذات الأنظمة والولاءات الجيوسياسية المختلفة أن تكون هناك قاعدة غير مكتوبة مفادها أن المنظمات متعددة الأطراف يجب أن يديرها أشخاص من بلاد ليست متحالفة مع أي من القوى الاقتصادية والعسكرية الكبيرة. فالتنسيق مهارة تتطلب الحياد. والدول الصغيرة الأكثر حيادية لها مصلحة أكبر فيما يبدو في الحفاظ على الآليات متعددة الأطراف من مصلحة القوى العظمى.
*كاتب روسي مقيم في برلين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»