أجريت قبل أكثر من أسبوعين في الولايات المتحدة الأميركية الانتخابات «النصفية» لانتخاب ثلث أعضاء الكونجرس في مجلسي النواب و«الشيوخ»، وتسمى بـ«النصفية» لأنها تجرى في منتصف الفترة منذ الانتخابات الرئاسية الماضية، والتي انتخب فيها رئيس جديد للبلاد هو دونالد ترامب خلفاً للرئيس السابق باراك أوباما، وفاز فيها ترامب على منافسته هيلاري كلينتون. في الانتخابات الحالية لم يكن يوجد تنافس على كرسي الرئاسة، إنما على ثلث مقاعد الكونجرس بين مرشحي الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي». نتائج انتخابات 2018 كانت مخيبة لآمال «الجمهوريين» الذين كانوا يسيطرون على الأغلبية في المجلسين، حيث خسروا أغلبيتهم في مجلس النواب، واحتفظوا بها في مجلس الشيوخ.
في هذا المقام لن أقوم بتحليل نتائج الانتخابات، لأنها أفصحت عن مؤشرات مهمة تستحق أن يكون لها مقال خاص بها لأهميتها ودلالاتها الكبرى، لكن ما سأقوم به هو الإشارة إلى خسارة «الجمهوريين» للأغلبية في مجلس النواب، وهي دلالة على أنهم فقدوا شعبيتهم في العديد من الأوساط، فالأجواء العامة التي كانت سائدة قبل إعلان النتائج النهائية بساعات كانت تشير إلى منظومة من المؤشرات تتكون من شعبية مريحة للرئيس ترامب وسياساته على الصعيدين الاقتصادي الداخلي وحربه التجارية مع الخارج، واستمرارية لضعف «الديمقراطيين» وعجزهم عن تقديم برامج ومشاريع انتخابية مقنعة للمواطن الأميركي العادي، وعودة لعدد لا يستهان به من الشركات والصناعات الأميركية من الخارج إلى داخل الولايات المتحدة. تلك المؤشرات أعطتنا كمراقبين انطباعاً عاماً بأن «الجمهوريين» هم الذين كانوا سيتفوقون على صعيد المجلسين، لكن الذي حدث هو غير ذلك.
ويقابل ذلك أن خسارة «الجمهوريين» للأغلبية في مجلس النواب ستجعل الرئيس ومعه الحزب «الجمهوري» يواجهون العديد من الصعوبات على الصعيد الداخلي حول قضايا محددة ستجعل الرئيس بالذات ضعيفاً في مواجهة الانتقادات التي يوجهها إليه «الديمقراطيون» ووسائل الإعلام. تلك القضايا متنوعة منها ما يُقال عن الاختراق الروسي للانتخابات عام 2016، وإصلاح نظامي الصحة والتعليم، وارتفاع معدلات الجريمة، خاصة جرائم القتل الجماعي وحيازة الأسلحة النارية، والعجز في الميزانية الاتحادية وتخفيض الضرائب الذي يصب في نهاية المطاف في صالح الأغنياء، فهذه جميعاً قضايا غير ذات وقع حميد في الأوساط الشعبية تبناها الرئيس والحزب «الجمهوري».
إن نتائج الانتخابات قد تخلق نوعاً من الشد والجذب الشديد في مجلس النواب، فإدارة ترامب تبدو قادرة على نقض العديد من مشاريع «الديمقراطيين»، ما جعلها مشاريع غير قادرة على المرور من خلال الكونجرس، خاصة الاقتصادية منها، فالأوضاع على أرض الواقع تسير في صالح الرئيس ترامب ومشاريعه الاقتصادية، فمعدل البطالة في تراجع، والعديد من الشركات الصناعية والأعمال الكبرى التي هربت إلى الخارج، خاصة المكسيك والصين ودول شرق وجنوب شرق آسيا، وأميركا الجنوبية، بدأت في العودة إلى الداخل الأميركي معيدة معها صناعاتها وأنشطتها، ومعدلات التضخم لا تتزايد بشدة كما كان الأمر عليه قبل سنتين، وقس على ذلك العديد من قضايا الاقتصاد الأخرى.
*كاتب إماراتي