ملامح التّطور بدت جلية في معرض الشارقة الدولي للكتاب، شكلاً ومضموناً، خلال كل دوراته السابقة، وهو في دورته الحالية السَّابعة والثلاثين يَسْتَأْنِسُ بما حقَّق مَحَلِّياً وعربياً ودولياً، ويدفع نحو مدّ جسور مع الآخر في كل الثقافات عبر الفضاء الجغرافي الآسيوي، حيث يعيش العدد الأكبر من الدول العربية، التي صنّف سُكانها خلال الحقب الاستعمارية بـ«عرب آسيا»، مع تركيز خاص هذه السنة على الثقافات الآسيوية في مجال الحركة، تفاعلاً وتجاوباً وتذكُّراً.
من ناحية أخرى، يطرح معرض الشارقة للكتاب جذور الثقافات وأصولها، وتضمين فلسفات الأمم ومعتقداتها السماوية والوضعية الأسئلة الكونية والوجودية الكبرى، والتمتع بإبداعاتها شعراً ونثراً، وما يتبع كل هذا من شروط التحدي والاستجابة إلى المواقف السياسية المُتحكِّمة في مصائر الشعوب، اقتصادياًّ واجتماعياًّ، هذا في العموم، أما في الخصوص، فقد اتّخذ من اليابان ضيف شرف، على أمل التلاقي والتحاور، ولأجل أن يكون الإنسان في آسيا عبر التنوع الثقافي انطلاقاً من الإمارات فاعلاً في صناعة التاريخ الجمعي لقَارتِه أوَّلاً، وللإنسانية جمعاء ثانياً.
وعلى الرغم من أن هيئة الشارقة للكتاب طبقاً لاهتمامات وتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تسعى إلى الانفتاح على الآخر ثقافياً في كل مجالات المعرفة، وإنسانياً من خلال التركيز على منظومة القيم النَّابِعة من تراث الحكمة المشترك بين البشر جميعهم عبر قرون من الزمان، إلا أنها كما هو ملاحظ تُواجه صعوبة كبيرة في التعامل على النطاق الآسيوي، حيث الدوافع الاقتصادية أهم لأي فعل سياسي من الجذور الثقافية، وإذا تمّ تناولها أو الحديث عنها، فإن ذاك لا يتعدَّى في الغالب، الجانب المناسباتي، أو الفلكلوري.
لا غَرْوَ إذن حين لا نجد تفاعلاً ثقافياً جماهيرياً معنياً بمعرفة «النظير» أو«المثيل» الآسيوي لجهة القبول أو الرفض، أو الانصات، احتراماً لما يطرح من الضيوف المدعوين من آسيا، والنتيجة أن العرب يستمعون للعربي إن حضر والهنود يستمعون للهندي.. وهكذا، وما يبقى من نقاش أو تجاوب يظل محدوداً، لكن قد يكون بداية لتبادل ثقافي أصبح ضرورة وحاجة ومصيراً مشتركاً، لإنهاء الميراث المُر للاحتلال الثقافي، وللإشباع المحلي بروح التحدي، وللمشاركة في الحق العالمي للثقافة.
ومع ذلك، فإن تناول التنوع الثقافي الآسيوي في معرض الشارقة للكتاب من منطلق تعدد الثقافات بتعدد الملل والنحل، وحسب الكثافة البشرية، أوصلنا إلى إشكالية، تتمثل في عجزنا عن فصل السِّياسي عن الثقافي، من خلال التأكيد من منظور الوهم والزيف على وجود منظومة قيم آسيوية منفصلة، بل إن الغارقين في الشوفينية القاريَّة أوَّلاً، والوطنية ثانياً يرونها، إما متميزة وأرقى بمقارنة بما لدى الآخرين، خاصة الغربيين، وإما هي جدار صدٍّ أمام الانهيار الأخلاقي للأمم، وقد يكون ذلك مقبولاً من الناحية النظرية، لكن في الجانب العلمي، يشترك بعض الآسيويين في فتن الفساد الأخلاقي والسياسي والعسكري والاقتصادي، وأحياناً الديني مع كل الأمم الأخرى. مهما يكن، ليس مطلوباً من الثقافات الآسيوية، أو بالأحرى من عناصر النخْبة في القارة الأكبر مساحةً، والأكثر سُكَّاناً، والأثرى تنُوُّعاً، أن تكون نسخة من مثقفي قارات أخرى، ولكن بالمقابل ليس مُبرَّرًا أن تظل في عزلةٍ وبُعْدٍ عن حقوق الإنسان، أو تُروِّج لقيم آسيوية مناقضة لما يحقق العالم من حريات في مجال الممارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان، بحُجَّةٍ واهيةٍ، هي أنها ذات هوية خاصة.