بعد هجوم «الذئب المنفرد» الذي نفّذه إسلامي متطرف، تساءلت وسائل الإعلام بأشكال مختلفة: ما الذي دفع هذا الأخير للقتل؟ الجواب عادة ما يكمن في الدعاية التي تروّج لها التنظيمات الإسلامية المتطرفة. والآن يجدر بنا أن نطرح الأسئلة نفسها حول إرهاب اليمين المتطرف. ما الذي ألهم سيزار سايوك ودفعه، على ما يفترض، لإرسال طرود ناسفة إلى عدد من الشخصيات الليبرالية البارزة؟ وما الذي دفع «روبرت باورز»، على ما يفترض، إلى قتل 11 شخصاً في كنيس بمدينة بيتسبرغ؟ وما الذي دفع «غريغوري بوش»، على ما يفترض، إلى قتل أميركيين أفريقيين في مدينة «جيفرسونتاون» بولاية كينتاكي، بعد أن فشل في الدخول إلى كنيسة للسود؟
إن طرح هذه الأسئلة لا يُعفي مرتكبيها من المسؤولية النهائية عن الشرور التي اقترفتها أياديهم، ولكن الإرهابيين لا ينشطون في الفراغ. وبالتالي، من الذي خلق البيئة التي أصبح فيها إرهاب اليمين المتطرف أكثر انتشاراً – ومنذ الحادي عشر من سبتمبر، أكثر قتلاً – من إرهاب التنظيمات الإسلامية المتطرفة في أميركا؟
الرئيس دونالد ترامب – ومن خلال ترويجه لـ«القومية»، وتنديده بـ«أنصار العولمة»، مثل رجل الأعمال الثري جورج سوروس، وشيطنته للمهاجرين الذين وصفهم بـ«الثعابين» و«الحيوانات»، وسعيه للتخويف من قافلة للاجئين، ودفاعه عن العنصريين البيض الذين اعتبرهم «أشخاصاً راقين» – يتحمل جزءاً مهماً من المسؤولية.
بل إن بعض أتباعه «الجمهوريين» أكثر وأشد تطرفاً. فهذا النائب «مات جايتز» (الجمهوري من ولاية فلوريدا) جلب شخصاً ينكر المحرقة اليهودية أثناء خطاب «حالة الاتحاد»، وحمّل سوروس مسؤولية تمويل قافلة مهاجرين من أميركا الوسطى. والنائب «ستيف كينج»، «الجمهوري» عن ولاية آيوا، خصَّ موقعاً إلكترونياً نمساوياً تابعاً لليمين المتطرف بمقابلة أيّد فيها ادعاء العنصريين البيض بأن الدول البيضاء تقدم على «انتحار ثقافي بطيء» عبر سماحها بدخول المهاجرين الملونين.
لا بل إن حتى زعماء الحزب «الجمهوري» أخذوا ينضمون إلى هذه الأصوات. فهذا زعيم الأغلبية بمجلس النواب كيفن ماكارثي (الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا) نشر، ثم حذف تغريدة تتهم سوروس، ومايكل بلومبيرج، وتوم ستيار بشراء الانتخابات (ومعلوم أن سوروس وبلومبيرج يهوديان في حين ينتمي ستيار إلى الكنيسة الأسقفية ووالده كان يهودياً). هذا في حين اتهم رئيسُ اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، السيناتورُ تشاك جراسلي (الجمهوري من ولاية آيوا)، سوروس بتمويل الاحتجاجات ضد مرشح المحكمة العليا وقتئذ برت كافانو.
ولكن، من أين يحصل هؤلاء السياسيون على هذه الأفكار السامة؟ إنهم يأتون بها من آلة صناعية للإعلام اليميني المتطرف تشمل «فوكس نيوز»، و«بريتبارت»، و«إنفووورز»، و«نيوزماكس»، و«ذا دايلي كولر»، و«جيتواي بونديت»، وغيرها من المنابر الإعلامية الكثيرة. ومارينا بارتيرومو من «فوكس بيزنس نيتوورك» هي التي سألت غراسلي ما إن كان سوروس هو من يقف احتجاجات كافانو – وبعد أن أيّد غارسلي هذا الاتهام، ختم عليه ترامب بخاتمه. وبدورها، نشرت صحيفة «وورل ستريت» مقال رأي يؤيد هذا الادعاء الكاذب. والأسبوع الماضي، حاور لو دوبز من «فوكس بيزنس» كريس فارل من منظمة «جوديشل ووتش» المحافظة الذي ادعى بأن قافلة اللاجئين القادمين من أميركا الوسطى موجهة من قبل «وزارة الخارجية التي يسيطر عليها سوروس»، مجتراً بذلك دعاية النازيين الجدد حول «حكومة يشغلها الصهاينة». («فوكس بيزنس» اعتذرت عن ذلك لاحقا)، غير أن «فوكس نيوز» لا تعمل على شيطنة أحد أكبر المانحين اليهود الذين يتبرعون للقضايا الليبرالية فحسب، بل تشيطن أيضا كل «الديمقراطيين» – بالمعنى الحرفي للكلمة. فهذه الإعلامية جنين بيرو تصفهم بـ«جرذان الشياطين». قرع طبول الحرب المستمر باستخدام خطابات قدحية واتهامية ونظريات المؤامرة غير العقلانية يمكن أن يدفع محافظين عقلاء إلى التطرف – ويمكن أن يدفع أولئك الذين كانوا في حالة غير مستقرة أصلا إلى العنف. وفي هذا السياق، تفيد صحيفة «نيويرك تايمز» بأنه حتى 2016، كان صفحة «سيزار سايوك» على «فيسبوك» مليئة بـ«الطعام غير الصحي، والتمارين الرياضية، ونساء بملابس قصيرة وكاشفة، ومباريات رياضية... ولكن في تلك السنة، اكتسب حضور «سايوك» في وسائل التواصل الاجتماعي نبرة أكثر تعصباً وقتامة». ففي ذاك الوقت بدأ ينشر «قصصاً من «إنفووورز»، و«ورلد نيت دايلي»، و«بريتبارت»، ومواقع يمينية متطرفة أخرى على الإنترنت، مواقع أظهرت «افتتانا بإرهاب التنظيمات الإسلامية المتطرفة، والهجرة غير الشرعية، ونظريات المؤامرة المناوئة لكلينتون».
بيد أن الشيء المخيف هو أن وسائل الإعلام اليمنية المتطرفة ستبقى طويلاً بعد رحيل ترامب والزمرة الحالية من السياسيين «الجمهوريين»، فهذه المنابر تتمتع بالحق الذي يكفلها لها البند الأول من الدستور في قول ما تريد، ولكن المستثمِرين والمعلِنين لديهم أيضا الحق في أخذ أموالهم إلى أماكن أخرى. فإذا لم يقم «روبرت موردوخ» وأولاده بكبح دعايتها المتطرفة، ينبغي على المعلِنين الفرار من «فوكس»، وعلى المستثمرين الفرار من شركتها الأم «نيوز كورب». وينبغي أن يصبح سهمها ساماً مثل أسهم شركات المناجم التي تنتج «الماس الدموي». ذلك أنه يجب ألا يُسمح لمروجي الدعاية والسياسيين الذين يدفعون اليمين الأميركي للتطرف بالتملص من المسؤولية عن العواقب الخطيرة لأفعالهم.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»