في عام 1998، العام الذي تأسست فيه شركة «جوجل»، كان هناك مليونا مستخدم صيني للإنترنت، مقارنة بـ83 مليون أميركي. لكن بعد عقدين، أضحى هناك 800 مليون مستخدم للشبكة العنكبوتية في الصين، والتي أضحت تتفوق على الولايات المتحدة في مجالات، مثل الطائرات من دون طيار، وتطبيقات الدفع عبر الهاتف المتحرك، وتشارك الدراجات الهوائية، والذكاء الاصطناعي. وفي ضوء هذا التغير الجذري، يبدو ارتياب الرئيس دونالد ترامب بشأن الصين مفهوماً، لكن ترامب يردّ على التحدي الصيني بأسوأ طريقة ممكنة.
والرئيس محق بشأن تعاون المحاكم والهيئات التنظيمية في الصين مع الشركات هناك من أجل الاستحواذ على التكنولوجيا الأميركية، لكن مثلما أوضح المستثمر الرأسمالي المولود في تايوان «كاي فو لي» في كتابه الجديد، فإن «المسألة الأهم هي أن الصين قد تجاوزت مرحلة تقليد الابتكارات الغربية فحسب، وحتى إذا أوقفت الحرب التجارية التي يشنها ترامب استحواذ الصين على التكنولوجيا الأميركية، فإن ذلك لن يغير الملامح المقلقة في تقدم الصين».
ويطرح «لي» قصة «وانج شينج»، رائد الأعمال الذي يطلق عليه اسم «المُقلّد»، الذي كان طفلاً مدللاً لشركات تقليد التكنولوجيا في الصين. ففي 2003 و2005 و2006، ثم في 2010، استنسخ «وانج» أبرز أفكار الشركات التكنولوجية وطبقها في السوق الصينية. لكنه أصبح أكثر بكثير من مجرد «مقلد». ففي أحدث مشروعاته التي بدأت كنسخة من موقع الخصومات الرقمي «جروبون»، توسّع في أنشطة توصيل الطعام وحجز الفنادق وتذاكر الأفلام. وثمرة ذلك هي شركة «ميتوان ديانبينج»، التي تقدر قيمتها بعشرين ضعف قيمة «جروبون».
وتنطبق القصة ذاتها على القطاع التكنولوجي في الصين عموماً. فقد بدأ موقع «علي بابا» باعتباره موقع «إي باي» الصيني، لكنه توسع متجاوزاً تقديم خدمة المزادات عبر موقع الإلكتروني، وخرجت من رحمه مجموعة الخدمات المالية «أنت فاينانشيال»، كأكبر شركة تكنولوجية مملوكة لجهة خاصة من حيث القيمة.
والأهم أن الصين تتجه إلى الفوز بسباق «الذكاء الاصطناعي»، وهو مجال دخله «لي» كطالب دكتوراه بجامعة «كارنيجي ميلون» قبل ثلاثة عقود مضت. وقد حدثت التطورات التكنولوجية التي كانت وراء انطلاقة الذكاء الاصطناعي الأخيرة في كل من كندا والولايات المتحدة وبريطانيا، بينما كانت الصين على الهامش، لكن الآن، وبالنظر إلى أن الابتكارات التكنولوجية أضحت في المتناول، فإن الصين تمضي بسرعة فائقة في التطبيق. وفي 2017، جذبت شركات الذكاء الاصطناعي الصينية الناشئة رؤوس أموال استثمارية أكثر من منافساتها الأميركية. وتقدر شركة «برايس ووتر هاوس» أنه بحلول 2030 ستضيف الصين 7 تريليونات دولار إلى إجمالي ناتجها المحلي نتيجة استخدام الذكاء الاصطناعي، أي نحو ضعف القيمة المتوقعة في أميركا الشمالية مجتمعة.
وسيحدِث الذكاء الاصطناعي ثورةً في الأنشطة، من ترجمة المستندات إلى اتخاذ قرارات بشأن القروض وتوقع سلوكيات المستهلكين. وفي ضوء أن الذكاء الاصطناعي يتطلب مجموعات بيانات ضخمة، فثمة اتجاه إلى أن «الفائز يحصل على كل شيء»، وهو أمر ينبغي أن يقلق منافسي الصين. فالشركات التي تمتلك معظم البيانات ستكون لديها أفضل المنتجات. وأفضل المنتجات ستجذب أكبر عدد من العملاء الذين ينتجون بدورهم بيانات أكثر، ويعززون من فرص الشركات المتقدمة. وهناك إمكانات عسكرية أيضاً للذكاء الاصطناعي، هي: حشود من الطائرات بدون طيار، وصور جديدة من الحرب الإلكترونية.
واستراتيجية تشديد الخناق التي ينتهجها ترامب في مواجهة الاستحواذ الصيني على حقوق الملكية الفكرية الأميركية تخطئ هدف هذا التحدي. ومثلما أشار «لي» وكثير من المستثمرين في شركات التكنولوجيا، فإن «سرعة عمل الصين في مجال الذكاء الاصطناعي يغذيها رواد أعمال مثابرون بشراسة، وتعززها أيضاً البيانات الثرية الناتجة عن طريقة استخدام الصينيين للهواتف الذكية في كل شيء، من حجز مواعيد الأطباء إلى دفع ثمن الخضراوات، وأخيراً تساعد البنية التحتية الصديقة للذكاء الاصطناعي نجاح الصين في هذا المجال»، إذ لديها خطط لإنشاء طرق سريعة ذكية مزودة بأجهزة استشعار وألواح شمسية لتوجيه وشحن السيارات ذاتية القيادة الكهربائية.
وإلى ذلك، يصعب منع الصين من الاستثمار في البنية التحتية الذكية، وتحقيق مكاسب اجتماعية من البيانات الثرية. لذا، فعلى الولايات المتحدة أن تستغل جاذبيتها للمهاجرين، فأيّاً كان التقدم الذي ستحرزه الصين، سيظل أكثر الناس الموهوبين يفضلون العيش في الولايات المتحدة بسبب حريتها الفكرية والشخصية وثقافتها.
سيباستيان مالابي
باحث اقتصادي رفيع المستوى لدى مجلس العلاقات الخارجية
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»