في الأسبوع الماضي، أعلن مستشار الأمن القومي «جون بولتون» إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وجاء هذا في أعقاب قرار الرئيس دونالد ترامب بإلغاء التمويل الأميركي لبرنامج مساعدات الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين. ورد كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات بغضب على هذا الخبر، متهماً ترامب وإدارته «بتدمير حل الدولتين». ولكن مع حلول الذكرى الأربعين لاتفاقيات كامب ديفيد هذا الأسبوع، يجدر بنا أن نتذكر أن الجهود الأميركية لإحباط إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة ليست فريدة بالنسبة لهذه الإدارة. فقد تم زرع جذورها خلال رئاسة جيمي كارتر، حيث أفسحت قرارات كارتر الطريق لإسرائيل لتمديد قبضتها على الأراضي الفلسطينية وإعاقة حلم التوصل إلى سلام شامل ودائم بين العرب والإسرائيليين.
وكثيراً ما يتم الاحتفال بهذه الاتفاقيات، التي وقعها الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن بعد 13 يوماً من المفاوضات الشاقة مع كارتر في كامب ديفيد، المنتجع الرئاسي، والتي أنهت 30 عاماً من الأعمال العدائية بين الجانبين. فقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يوافق فيها الإسرائيليون على الانسحاب من أراضٍ عربية منذ حرب 1967، وجلبت معها علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية طبيعية مع مصر. وقد تقاسم السادات وبيجن جائزة نوبل للسلام على إنجازهما التاريخي.
ولكن الأمر غير المفهوم بشأن قمة كامب ديفيد هو كيف تخلت إدارة كارتر عن دعمها لتقرير المصير الفلسطيني، ومنعت إقامة دولة فلسطينية مستقلة في غزة والضفة الغربية وخلدت الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أجل غير مسمى –وهي السياسات المستمرة حتى يومنا هذا. لقد كان هذا تراجعاً ملحوظاً بالنسبة لرئيس ينظر إلى الفلسطينيين، مثل الجنوبيين السود في عهد الفصل العنصري، باعتبارهم «ضحايا للظلم»، والذي تعهد بتبني «نهج أميركي أكثر طموحاً» في المنطقة لضمان الاعتراف بالحقوق الفلسطينية كجزء من أي حل للصراع العربي – الإسرائيلي.
وكتب «كارتر» فيما بعد «بما أنني جعلت التزام أمتنا بحقوق الإنسان مبدأً من مبادئ سياستنا الخارجية، كان من المستحيل بالنسبة لي أن أتجاهل المشاكل الخطيرة في الضفة الغربية».
وكدليل على هذا الالتزام، أعلن «كارتر» في مارس 1977 تأييده لإقامة وطن «للاجئين الفلسطينيين» باعتباره «شرطاً مسبقاً» لأي تسوية سلمية عربية –إسرائيلية، وهو أمر لم يفعله أي رئيس سابق من قبل. وخلال لقائه الأول مع بيجن، بعد أربعة أشهر، أوضح أنه لا يمكن تحقيق أي تسوية شاملة إلا مع توفير حق تقرير المصير للفلسطينيين.
ولكن بعد عام من المفاوضات والصدام السياسي الداخلي الخطير بسبب الدعوة لإقامة «وطن» فلسطيني، سحب كارتر تأييده لحق تقرير المصير الفلسطيني. وبدلاً من ذلك، أيد على مضض خطة «الحكم الذاتي» لبيجن بالنسبة للضفة الغربية وغزة. ودعت الخطة المواطنين العرب في هذه المناطق إلى انتخاب مجلس إداري يدير الشؤون اليومية للفلسطينيين، مع ترك مسؤولية الأمن في هذه المناطق لإسرائيل. كانت خطة بيجن وسيلة ذكية لضمان أن إسرائيل ستحافظ على سيادتها على هذه المناطق إلى الأبد، وتوفير بعض الحكم الذاتي للفلسطينيين على حياتهم اليومية ولكن ليس السيطرة الكاملة على حدودها.
وبحلول الوقت الذي وصل فيه إلى كامب ديفيد في سبتمبر 1978، كان كارتر قد تخلى تماماً عن أي تظاهر بتأييد الدولة الفلسطينية. وخلال القمة، ضغط المصريون مراراً وتكراراً على المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين لتعديل مواقفهم والموافقة على لغة تسمح للشعب الفلسطيني «بممارسة حقه الأساسي في تقرير المصير». بيد أن كارتر لم يستطع إقناع الإسرائيليين بالتزحزح، وفي النهاية وافقت الأطراف على اتفاقات لا ترقى إلى مستوى هذا الالتزام.
اتفاقات كامب ديفيد لم تتضمن أي ذكر «لتقرير المصير» للفلسطينيين، واستبعدت الاتفاقيات ظلماً العناصر ذات الصلة بقرار الأمم المتحدة رقم 242 الذي تم تمريره بعد حرب 1967. وقد غير هذا القرار بشكل أساسي موقف إدارة كارتر الذي يقضي بوجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة الخاضعة لتعديلات حدودية طفيفة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»