انطلاقاً من رؤيتها الخاصة بتعزيز منظومة حقوق الإنسان، وفي خطوة نحو ترسيخ التطور والتقدم في نظام العدالة الجنائية بدولة الإمارات، جاء إصدار صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بصفته حاكماً لإمارة أبوظبي، قانوناً بتنظيم «مراكز الإصلاح والتأهيل» في الإمارة. ويهدف القانون إلى رسم السياسة العامة لمراكز الإصلاح والتأهيل، وضمان حماية حقوق النزلاء، وتوفير التأهيل الاجتماعي والثقافي لهم، وينص القانون على تغيير مسمّى «المنشآت العقابية والإصلاحية» بأبوظبي إلى «مراكز الإصلاح والتأهيل».

وتمثل هذه التطورات رؤية القيادة الرشيدة الهادفة إلى تحسين ظروف النزلاء وتوفير بيئة تسمح بإعادة تأهيلهم وإعادة دمجهم في المجتمع. كما يعكس تغيير مسمّى «المنشآت العقابية والإصلاحية» بأبوظبي إلى «مراكز الإصلاح والتأهيل» الرؤية الجديدة والمبادرات الهادفة لتحسين هذه المراكز وتحويلها إلى بيئات تُعزز الإصلاح والتأهيل بدلاً من العقوبة فقط. كما تُعدّ هذه خطوة إيجابية نحو إعادة التأهيل وتخفيف الانتكاسات الاجتماعية، التي قد تواجه النزلاء بعد الإفراج.

فالمراكز الآن ليست فقط مكاناً لتنفيذ العقوبات، بل هي بيئات محفزة للتعلُّم والنمو الشخصي، حيث يتلقى النزلاء التدريبات والدروس والدعم اللازم لتحسين مهاراتهم وتطوير أنفسهم. توفر مراكز «الإصلاح والتأهيل» في دولة الإمارات برامج دعم نفسي واجتماعي للنزلاء من أجل التعامل مع الصعوبات النفسية والاجتماعية التي قد تواجههم خلال فترة احتجازهم وبعدها، ما يؤكد التزام الدولة بمعالجة أسباب الجريمة والعمل على منعها من الحدوث في المستقبل. وتُقدِّم هذه المراكز أيضاً برامج وخدمات لمساعدة النزلاء في معالجة القضايا الأساسية، التي أدت إلى ارتكاب الجرائم، مثل: الإدمان ونقص المهارات الحياتية.

وقد شهدت دولة الإمارات تطورات مهمة في مجال حقوق السجناء على مر السنين، حيث تبنت العديد من القوانين واللوائح لضمان حماية حقوقهم وتعزيز إعادة التأهيل. وتضمنت هذه القوانين توفير الرعاية الصحية الكافية، وضمان الاتصال بالأسرة، وتوفير فرص التعليم والتدريب داخل مراكز الإصلاح والتأهيل. وتُؤكد التطورات التي تشهدها دولة الإمارات، تجذُّر المفاهيم الإنسانية والحضارية فيها، بدءاً من المؤسسات الرسمية، وانتهاءً بأبناء الدولة الذين يعيشون في ظروف تساعد على تحوُّل هذه المفاهيم إلى قيَم راسخة في شخصياتهم وعقولهم وممارساتهم. وضربت وزارة الداخلية في دولة الإمارات مثلاً على التطبيق الخلَّاق لهذه المفاهيم الإنسانية من خلال إطلاق برنامج لاستكمال التعليم العالي داخل مراكز «الإصلاح والتأهيل» في أبوظبي في عام 2022، يتيح للنزلاء استكمال دراستهم في التخصصات التي يتطلّعون إلى الالتحاق بها.

وتحرص دولة الإمارات على مواءمة سياساتها وممارساتها مع التشريعات والمعايير الدولية المعنية بحقوق الإنسان تماشياً مع القيم والمبادئ الإنسانية، التي قام عليها اتحاد الإمارات منذ تأسيسه. وتطبق الدولة القواعد النموذجية لمعاملة السجناء، وتكفل لهم حقوقهم الكاملة في إعادة التأهيل، والرعاية الطبية، والتغذية، والاتصال بأسرهم ومحاميهم. من جانبها، تقدِّم وزارة تنمية المجتمع في دولة الإمارات مساعدات مالية لعائلات السجناء، ويقوم «صندوق الفرج» التابع لوزارة الداخلية بمساعدة المعسرين والنزلاء وأسرهم، الذين يجدون أنفسهم يصارعون متاعب الحياة في غياب المعيل الأساسي لهم.

ومنذ إطلاقه في عام 2009 ساعد «صندوق الفرج» آلاف النزلاء من مختلف الجنسيات، إذ يساعد الصندوق النزلاء بغض النظر عن جنسياتهم أو عرقهم أو جنسهم أو عقيدتهم أو وضعهم الاقتصادي. إنّ تغيير مسمى «المنشآت العقابية والإصلاحية» في أبوظبي إلى «مراكز الإصلاح والتأهيل»، ينسجم مع مبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، حيث يؤكد أهمية توفير الفرص العادلة لإعادة تأهيل الأفراد وتحقيق تكافؤ الفرص للجميع، ويعكس التزام دولة الإمارات بتحقيق العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. وتمثل هذه الخطوة جزءاً من استراتيجية أوسع، لتحسين ظروف السجون وتعزيز برامج إعادة التأهيل والإصلاح للسجناء. 

* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.