أنظر اليوم للمشاكل التي تطال مناطق كثيرة في العالم والصراعات القائمة الباردة منها والملتهبة، وفي المقابل أتمعن في كل ما وصلت إليه الإمارات من تقدم، وأتذكر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الرجل الذي أسس لدولة هي اليوم تتفوق في مجالات وقطاعات كثيرة على دول كثيرة. ومن يصدق أن عشرين عاماً قد مرت على رحيله، ومن بعد رحيله كم تعقدت العلاقات الدولية، وكم تقدمت قوى وتقهقرت قوى أخرى.
عشرون عاماً مضت على فقدنا له، وهو الإنسان الرحوم الذي عُرف بإنسانيته، وبحرصه على مد يد الخير إلى أي مكان في العالم كان بحاجة إلى العون، وها هي الإمارات تكمل نهجه في سبيل إنقاذ الأرواح، وتغليب لغة الحوار بين الفرقاء، ذلك أن الغاية كانت وما تزال تخفيف الآلام قدر المستطاع إلى جانب دول ومنظمات وشخصيات لم تتخلَّ كلها عن هذا المبدأ بالرغم من كمّ الخسارات اليومية تقريباً والتي يتعرض لها عالمنا على صعد مختلفة.
زايد - بالنسبة لنا - نحن الذين ننتمي للإمارات، وحتى بالنسبة لمن عايشه من المقيمين بيننا، كان أباً، أخاً، زعيماً، وإنساناً، وتلك صفات لا يمكن أن يتمتع بها إلا النبلاء. مئات المواقف المسجّلة تشهد على مآثر الشيخ زايد، وحسن خلقه، وطيب معشره، وأصالة معدنه، وهو الذي حاول بكل ما أوتي من عزم وجهد إصلاح ذات البين، ومد يد الخير، وظني أن إنسانيته كانت قاعدة متماسكة وصلبة بنى عليها حلمه بالاتحاد والذي لولاه ما تحقق.
لم تتوقف الإمارات عن مبادراتها الإنسانية التي باتت جزءاً من إرثها. وبالتزامن مع «يوم زايد للعمل الإنساني» الذي يصادف في الذكرى العشرين لرحيل زايد، أطلقت الإمارات «مبادرة إرث زايد الإنساني»، التي تقدر قيمتها بـ20 مليار درهم لصالح المجتمعات الأكثر حاجة حول العالم. وليست تلك المبادرة إلا ترجمة حرفية للمبادئ والقيم التي عاش زايد من أجلها حتى جعل منها عنواناً بارزاً للإمارات. تلك المبادئ التي تجذرت في نفوس أبنائه الذين واصلوا المسيرة من بعده ضاربين المثل في لهفة وإغاثة الملهوف.
ولعلنا في هذه المناسبة العطرة نستذكر بعض ما عمل عليه والدنا زايد الذي كان مؤمناً بأن الإنسان يجب أن يكون عوناً لأخيه، وأن الخير لا بد وأن يصل إلى كل المحتاجين، وأن صنع المعروف خالد وأجره لا يضيع. بتلك الفلسفة التي آمن بها وبروح التسامح التي تحلى بها، غرس المغفور له الشيخ زايد ثقافة العمل الخيري في المجتمع الإماراتي بعد أن جعلها جزءاً لا يتجزأ من قيم الدولة ككل ومن استراتيجيتها، وشعارها في ذلك - أي الإمارات - أننا نحن البشر جميعاً - شركاء في الإنسانية وفي المآل، حيث لا يفرق بيننا في دين أو عرق أو جنس.
من أجل ذلك فإن وصف زايد بـ«الإنسان» هي الحقيقة الثابتة التي يجمع عليها كل من أسعده حظه بلقياه، والتعامل المباشر معه، ومهما علا شأن ذلك الشخص أو صغر فإن إنسانية زايد كانت هي السمة الغالبة في تعامله معه. وتلك هي شهادتي للتاريخ وللأجيال الناشئة كذلك والتي لم يتوافر لها الحظ أن تعيش زمنه لتنهل من حكمته. لكن عزاءنا دائماً وأبداً يبقى في أبناء زايد الذين نهلوا من خصاله، ونشأوا على أفكاره، وهم اليوم يتابعون ما بدأه مكرسين بذلك قيماً نبيلة علينا أن نتمسك بها، لأن الخير في العطاء الذي علينا أن نتمسك به ونعلمه لأولادنا.