من الطبيعي أن يتناسب حضور الدول في المشهد العالمي مع ثقلها السياسي والاقتصادي، وأن تقاس الأهمية المحورية لأي دولة بأفعالها وتأثيرها، وليس بمساحتها على الخريطة.

والإمارات تعد مثالاً حياً على الحضور الدولي الذي يعكس قوتها وتأثيرها، وما حققته من إنجازاتٍ مستدامة في مختلف المجالات يثبت أن قوتها تكمن في اقتصادها وشراكاتها وعلاقاتها الواسعة. ولا شك في أن الحضور البارز لدولة الإمارات في محيطها الإقليمي والعالمي يثبت ذلك ويؤكده.. فالإمارات بفضل سياستها الرشيدة وقيادتها الحكيمة، تضاهي ببنيتها التحتية واستثماراتها الخارجية كثيراً من الدول الكبرى، بل تتفوق على بعضها في العديد من المؤشرات ذات الصلة بجودة حياة مجتمعها.

إن عظمة الدول تقاس بما تقدمه من إنجازاتٍ ملموسةٍ تساهم في رفاهية شعوبها وتعزز مكانتها بين الأمم، والإمارات تصنَّف ضمن المراتب الأولى عالمياً في الكثير من مؤشرات التنمية والتقدم والرفاه، حيث تصنف العاشرة عالمياً في مجال امتلاك أدوات القوة الناعمة وحسن إدارتها، كما يعد اقتصاد الإمارات الثاني عربياً، مع استثماراتٍ خارجيةٍ ضخمةٍ وبيئة جاذبة للاستثمارات التي تكفل استدامةَ النمو مع تنويع مصادر الدخل وزيادة الإيرادات غير النفطية، بما يحقق للدولة سنوياً معدلاتٍ مرتفعةٍ في مؤشرات التنمية البشرية، في تأكيد على اهتمامها بالارتقاء بمستوى حياة مواطنيها.

ومن الأمثلة العالمية التي تثبت أن القوة الحقيقية لا تقاس بالمساحة، سنجد أن سنغافورة دولة صغيرة على الخريطة لكنها تصنَّف كواحدةٍ من أهم المراكز الاقتصادية والتجارية في العالم، ومثلها هونج كونج التي تعد من المراكز المالية العالمية نتيجة نظامها الاقتصادي الحر وبيئتها الاستثمارية المُشجعة، أما جزيرة تايوان الصغيرة فإنها تصنع أجود الرقائق الإلكترونية في العالم، ولها دور مؤثر في الصناعة العالمية الحديثة، ونأتي إلى لوكسمبورغ التي تعرف بكونها أرقى دولة في العالم من حيث مستوى المعيشة رغم مساحتها متناهية الصغر.

وإذا ما واصلنا تأمل دلالات مساحة الدول مقارنة بقوتها وحجم تأثيرها، نلاحظ أن روسيا بالرغم من مساحتها الشاسعة، فإنها لا تكتسب مكانتها العالمية من تلك المساحة التي فيها مناطق شاسعة غير مأهولة بالسكان، بل إن مكانة روسيا تتحقق بفضل ما تصنعه وتنتجه، علاوة على صادراتها من الطاقة ومخزونها من السلاح، بالإضافة إلى كونها وريثة الاتحاد السوفييتي. وإذا ما تأملنا في قارة أوروبا سنجد العديد من الدول ذات المساحات الصغيرة، لكن لها وزنها ودورها المحوري في السياسة والاقتصاد على مستوى العالم، فدولة مثل هولندا ذات المساحة الصغيرة، لكنها تتمتع بدور مهم في أوروبا والعالم بفضل اقتصادها القوي.

والحال ينطبق على بلجيكا ودورها كعاصمة للاتحاد الأوروبي. أما عربياً فقد نجحت دولة قطر في تنظيم أفضل موسم لكأس العالم، وتفوقت على دول ذات مساحات كبرى على الخريطة لكنها لم تنظم الحدث بنفس المستوى. وفي النهاية يبقى التنافس على التطور وخدمة الشعوب مفتوحاً أمام جميع الدول، بغية بذل المزيد من الجهد للحاق بها والاستفادة من تجاربها.

*كاتب إماراتي