ثمة حدثان أخيران لا يبدو أنهما مرتبطان ببعضهما دفعاني إلى التفكير في الرحلة الطويلة نحو تمكين العرب الأميركيين: وفاة السيناتور السابق «جوزيف ليبرمان» في السابع والعشرين من مارس الماضي، والذكرى الثامنة والعشرون للوفاة المأساوية لوزير التجارة السابق «رونالد براون» في الثالث من أبريل الجاري. عندما أتيحت للأميركيين العرب أول فرصة لهم لدخول السياسة الأميركية كمجتمع منظم في الحملات الرئاسية لـ «جيسي جاكسون» في عامي 1984 و1988، استجابت الجالية بحماس. إذ قمنا بتسجيل ناخبين جدد، ونظمنا لانتخاب عدد قياسي من المندوبين إلى المؤتمر الوطني (أكثر من 80 مندوباً من حفنة قليلة)، وشارك المئات في مؤتمرات الحزب في الولايات وتمرير قرارات دعم قيام الدولة الفلسطينية في 10 ولايات.

وعلى الرغم من النجاحات التي حققناها، أو على الأرجح بفضلها، فإن مقاومة الجماعات المؤيدة لإسرائيل لمشاركتنا تزايدت بشكل كبير. لقد شوهوا سمعتنا وضغطوا على المرشحين والمسؤولين المنتخبين لرفض دعمنا. في عام 1984، أعادت حملة «والتر مونديل» الرئاسية المساهمات الأميركية العربية، وفي عام 1998، رفضت حملة «مايكل دوكاكيس» تأييد «الديمقراطيين» من الأميركيين العرب.

وبعد حملة عام 1988، عندما أصبح «رون براون» رئيساً للحزب «الديمقراطي»، تعهد بإنهاء هذا الاستبعاد. ولإرسال رسالة مفادها أن الأميركيين العرب لديهم مكان في الحزب الديمقراطي، كان أول اجتماع له كرئيس معي. حيث عرّفني على الموظفين الرئيسيين، وأعلن أن هذا هو يوم جديد للأميركيين العرب في الحزب. وقد كان. وبعد بضعة أشهر أصبح براون أول رئيس حزب يلقي كلمة أمام مؤتمر عربي أميركي. قبل الاجتماع، تناول «القهوة على عجل» مع أحد كبار المانحين المؤيدين لإسرائيل، والذي هدد بحجب تبرعه وحث الآخرين على الانضمام إليه «حتى أثناء دخول القاعة».

لكن براون لم يتراجع، وألقى خطابه على الأميركيين العرب. ولم تنته المشاكل التي واجهناها. وتمت ممارسة الضغط على المرشحين الآخرين والمسؤولين المنتخبين على المستويات المحلية لاستبعاد الأميركيين العرب، وقد فعل الكثيرون ذلك. عندما انعقد المؤتمر «الديمقراطي» عام 1992، شعرنا بالإحباط بسبب العوائق التي واجهناها في محاولتنا العمل مع حملة كلينتون. وفي المؤتمر، اتصل بي «ديفيد إيفشين»، المستشار القانوني للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) ومسؤول حملة كلينتون، وقال: «أفهم أن الأميركيين العرب يحاولون الدخول في الحملة». ثم استخدم كلمة بذيئة قائلاً إنه لا يوجد مكان لنا. شعرت بالغضب ونقلت ما حدث إلى رون براون. لقد كان يواجه نفس الصعوبة في الاختراق، حيث كان المسؤولون الآخرون ملتزمين بمنع دخولنا. واقترح أن أحاول عبر مسارات أخرى.

ومع اللقاء المرتقب مع السيناتور ليبرمان، فكرت أن أخبره عن لقائي مع «إيفشين». ورغم أنني والسيناتور لم نكن نتفق على الكثير من الأمور، إلا أنني وجدته لطيفاً ومنفتحاً على الحوار. وقد كنت على حق. فقد شعر بالغضب واتصل على الفور بمقر حملة كلينتون، مطالباً إياهم بالالتقاء بالأميركيين العرب. في اليوم التالي تمت دعوتنا لكي نتبوأ مكاننا في الحملة. ومن خلال إظهار قدرتنا على مدى الأشهر القليلة التالية، لم يتم استبعادنا مرة أخرى من أي حملة رئاسية «ديمقراطية». وعندما دخل بيل كلينتون البيت الأبيض، رحب بنا وأعطانا مقعداً على الطاولة، مما أتاح للأميركيين العرب إمكانية وصول غير مسبوقة وفرصاً للمشاركة في المناقشات السياسية حول اهتمامات السياسة الخارجية والداخلية. في بعض الأحيان كنت أشعر باليأس من رؤية الأميركيين العرب وهم يتغلبون على اعتراضات أولئك الذين يستبعدوننا من التيار السياسي السائد.

ذات مرة أخبرت «جيسي جاكسون» أنني مستعد للاستقالة. فأجاب بصرامة: «لا تفعل ذلك أبداً. هذا بالضبط ما يريده أعداؤك. أكثر ما يخشونه هو أنك ستبقى وتصمد». وهذا بالضبط ما فعلناه، واليوم، في مواجهة فظائع غزة، يجب ألا ننسى قدرتنا على إحداث التغيير. انظر إلى الأدلة: التعبئة الجماهيرية المتنوعة التي تدعو إلى وقف إطلاق النار والتساؤل حول الأسلحة الأميركية لإسرائيل، وأكثر من 150 مدينة تطالب بإنهاء الحرب الإسرائيلية، وحركة وطنية توضح للرئيس بايدن العواقب الانتخابية لسياساته، والانجراف المتزايد للرأي العام في الاتجاه المناهض لإسرائيل والمؤيد للفلسطينيين. التغيير ليس سهلاً. فهو يتطلب عملاً جاداً وحلفاء. وهذا ما تطلبه الأمر للوصول إلى ما نحن عليه اليوم. وهذه هي الطريقة التي يتحدى بها الناشطون العرب الأميركيون اليوم سياسات الولايات المتحدة الفاشلة تجاه الشعب الفلسطيني.

*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن