التاسع عشر من رمضان يوم نحتفي فيه كل عام بمآثر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. إنه «يوم زايد للعمل الإنساني». هذه المناسبة تُذكرنا بأن العالم يفتقد اليوم رجالاً من أمثال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الأيقونة الصادقة للإنسانية المستدامة.
ماذا يملك زايد في هذا الشأن؟ قلب ملئ بالمشاعر الدفاقة لكل ما يمت للإنسانية بصلة ومن المعاني السامية، يد بيضاء ممتدة في أرجاء الكون ينشر الخير في كل مكان يسكنه إنسان بعيد عن تصنيفات الأديان أو فروقات البشر في الجنس أو العرق أو اللون.
في إحدى جولاته بإمارة أبوظبي، وفي شدة لهيب القيظ الذي يعرفه زايد حق المعرفة وبيقين التجربة، لمح رجلاً يمشي حافي القدمين، رجلاه تنغرس في أرض حامية، يصعب على الإنسان قطعها بالحذاء، فكيف إن كانت القدمان عارية بلا حذاء؟ أمر زايد السائق بتتبع ذاك الرجل حتى إذا اقترب منه، طلب منه الصعود إلى مركبته، فرفض وظل ماضياً في طريقه، فأصر زايد عليه وهو لا يعرفه، فقال واحد ممن معه: «هذا الشيخ زايد»، فتسمرَ الرجلُ مكانه مندهشاً.. في هذا الوقت يصادف زايد يتفقد أمر رعيته، فما كان منه إلا الصعود حتى إيصاله مقصده، ثم أمر بتدبر حل كل احتياجاته على الفور.
أما مفهوم زايد عن المال، فأمر يفوق الخيال، مساهماته الشخصية المعلومة في أوجه الخير العميم طوال حياته يزيد على مائة مليار درهم، وما أنفقت يمناه لا تعلمه يسراه، فلا يمكن حصره بالأرقام، لأن علمها عند العلام سبحانه.
يذكر بأنه أثناء فترة علاجه في أميركا، زار أحد المرضى في المستشفى ذاته، الذي كان يتلقى علاجه فيه، وبعد الانتهاء من الزيارة أمر سموه بتكفل كافة مصاريف علاج ذلك المريض على نفقته الخاصة، فلما روجع في ذلك، قيل له بأن المريض ليس بمسلم، فرد عليهم هو إنسان أم لا؟! فأمر بإكرامه بعد شفائه.
رفع إليه ذات مرة قضية جنائية طرفاها مواطن ومخدومته التي ارتكبت جريمة القتل في حقه، فكان أهل المقتول يطالبون القضاء بالقصاص، وأهل الخادمة يطالبون بالعفو لعدم توفر الدية كذلك، فلم يصل الطرفان عبر القضاء إلى حل وسط يرضي الطرفين، فكان في حكم زايد الكلمة الفصل والحل الأمثل!
فاجتمع زايد بنفسه مع العائلتين، وأقنع أهل المجني عليه، بأن في العفو خيراً أكبر من القتل المجرد، وأن القبول بالدية أنفع لهم، وقد تحمل زايد بنفسه كل استحقاقات تلك القضية، التي حيرت المحاكم لفترة ليست قصيرة، فحافظ زايد على روح إنسان مقابل إشاعة الرحمة في قلوب أصحاب الحق بالتنازل طواعية والقبول بروح القانون.
صحيح بأن اليوم يصادف رحيل زايد عنا، ولكن الأصح بأن معاني الإنسانية التي تركها حاضرة في وجدان أنجاله الكرام. غرس زايد لا زال حاضراً في الحراك الإنساني الذي يقوده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وخاصة في ساعة الإنسانية التي دقت من غزة ولبت صوت دقاتها إنسانية الإمارات كلها.
تصدرت الإمارات دول العالم من خلال تقديم المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حيث بلغت نسبة مساهمة الدولة 27% من إجمالي المساعدات المرسلة للقطاع من قبل دول العالم، ما يعكس دعم الدولة الثابت للشعب الفلسطيني وتم تنفيذ العملية ضمن عملية «الفارس الشهم 3» لدعم الشعب الفلسطيني الشقيق في قطاع غزة. وقد ضاعفت دولة الإمارات جهودها خلال شهر رمضان المبارك، حيث تُقدم هذه المساعدات عبر تضافر جهود المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والخيرية في الدولة متمثلة بهيئة الهلال الأحمر الإماراتي ومؤسسة «خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية» ومؤسسة زايد بن سلطان للأعمال الخيرية والإنسانية، وغيرها من المؤسسات الإنسانية والخيرية في الدولة. 

*كاتب إماراتي