يشهد قطاع التعليم في دولة الإمارات تحولات مُتسارعة، في ظل التحول الرقمي المتصاعد، حيث أفرز هذا التحول أنماطاً جديدة في التعليم، في ضوء تسارع وتيرة التطور في مجال العلوم وتكنولوجيا التعليم على الصعيد العالمي، ما فرض مسارات متنوعة لتطوير طرائق التدريس التقليدية، من خلال تطبيق منهجيات التعليم التفاعلي والتعلُّم عن بُعد.

ويحتل التعليم الرقمي في الوقت الحالي مكانة متقدمة في أجندة التنمية، ومما لا شك فيه أن دولة الإمارات تواصل السير بخطى حثيثة من أجل إنشاء نظام تعليمي مُستدام، ما يعكس اهتمامها المتزايد بمجالات التعليم الرقمي وتعظيم مكتسباته، كونه يُمثل جزءاً أساسياً من المنظومة التطويرية التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة.

وفي الواقع، فإن دولة الإمارات تُولي تعزيز التحول الرقمي في التعليم أهمية خاصة، وذلك من خلال تبنِّي رؤية استشرافية واضحة لمستقبلٍ تعليمي مُبتكر ترتكز على التكنولوجيا المتقدمة والحلول الرقمية، حيث يهدف هذا النهج إلى مواكبة التطور السريع، من خلال الاعتماد على نُظُم تعليم استباقية وفعَّالة قادرة على تزويد الطلبة بمهارات وعلوم المستقبل.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن كثيرين يخلطون بين التعليم الرقمي والتعليم الإلكتروني، على الرغم من الفروق الشاسعة بينهما، ووفقاً للتعريفات الرائجة، فإن التعليم الرقمي يتبنى نهجاً يدمج بين الإنترنت والواقع، أما التعلم الإلكتروني فهو يستهدف التركيز على إنشاء تجربة تعليمية افتراضية دون اعتماد أي عناصر مرتبطة بأرض الواقع، ويتميز التعليم الرقمي بأنه نمط التعليم المعتمد على التكنولوجيا الحديثة في التدريس، وإدخال الوسائط التعليمية المختلفة في الحصص الصفية.

وبالإمعان في مستويات التفاعل الإماراتي مع متطلبات التحول الرقمي في التعليم، نجد أن دولة الإمارات لديها استراتيجية ناضجة وفعَّالة تستند إلى مبدأ الاستعداد المبكر للمستقبل، استطاعت من خلالها التكيف سريعاً مع جائحة كورونا مُنذ عام 2020، ما جعلها تُصبح الأسرع نهوضاً وتعافياً في العالم، والأذكى في استباق متطلبات مرحلة ما بعد الجائحة. وكان للمبادرات التي أطلقتها حكومة دولة الإمارات في هذا الصدد، دورٌ ملموسٌ في تحقيق مستهدفات التحول الرقمي في قطاع التعليم، ومن أبرز تلك المبادرات «المدرسة الرقمية»، التي تُعد أول مدرسة رقمية متكاملة من نوعها، وتهدف إلى تمكين الطلاب في خيارات التعلم الرقمي بالمناطق التي لا تتوافر فيها الظروف الملائمة أو المقومات التي يحتاجها الطلاب لمتابعة تعليمهم، كما توفر خياراً نوعياً للتعلم المدمج والتعلم عن بُعد، بطريقة ذكية ومرنة.

ومن الجدير بالذكر أنه، خلال انعقاد القمة العالمية للحكومات 2024، تم إطلاق تقرير «حالة تعليم علوم الحاسوب وتقنية المعلومات والاتصالات في دولة الإمارات العربية المتحدة»، وهو يُظهر تحقيق نقلات نوعية في التعليم الرقمي الأساسي. كما أشار التقرير إلى تخصيص الدولة ميزانية تعليمية كبيرة بلغت 2.7 مليار دولار في عام 2023، و2.8 مليار دولار في عام 2024.

ولأن صناعة المستقبل أصبحت إرثاً ونهجاً راسخاً لدى دولة الإمارات، لم تتوانَ القيادة الرشيدة في دعم التحول الرقمي في التعليم من خلال صياغة أفضل الممارسات لتحسين جودة هذا القطاع المُهم بما يتماشى مع خطط التحول الوطنية التي تهدف إلى تطوير «اقتصاد قائم على المعرفة»، من خلال توظيف الحلول الابتكارية وأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في مختلف المجالات، ما يعني أن الأمر لم يعُد مُقتصراً على التعليم والتعلّم عن بُعد فحسب، ذلك لأن التقنيات المتقدمة، مثل «الميتافيرس» والواقع الافتراضي والواقع المُعزَّز وغيرها، يُتوقع لها أن تُسهم في توفير بيئات تعلّم تفاعلية داخل بيئات التعليم وخارجها في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها الفضاء الرقمي.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.