ثمّة ثلاث مفارقات كبرى بشأن تاريخ الأندلس. تتمثل المفارقة الأولى في أن ضَعف الداخل الإسباني والاستعانة بالخارج، كان سبباً رئيساً في الهزيمة ودخول المسلمين، وكان ضعف الداخل الأندلسي والاستعانة بالخارج، سبباً رئيساً في الهزيمة وخروج المسلمين.
والمفارقة الثانية تكمن في أنّ تفكك الوحدة الأندلسية، وبدء عصر الدويلات وملوك الطوائف لم يكن زمناً هامشياً مرتبطاً باحتضار التجربة، بل كان الكتلة الزمنية الأكبر في تاريخ الأندلس، وقد امتد لأكثر من أربعة قرون.
والمفارقة الثالثة تتبدّى في كوْن دويلات ملوك الطوائف، وإنْ كانت تعاني الضعف السياسي والعسكري، إلا أنها كانت الأكثر إبداعاً، والأبقى حضارة. فقد تنافس ملوك الطوائف في اجتذاب العلماء والأدباء، وامتلاك المكتبات وتشييد المنشآت.
والمفارقة الرابعة.. أن الدولة العثمانية كان يمكنها إنقاذ الأندلس، لكنها اختارت الحرب على مصر والعالم العربي.. وبدلاً من أن يتجه الجيش العثماني إلى قرطبة اتجه نحو القاهرة. بدأتْ قصة الأندلس عام 710 ميلادية حين فتحها القائد طارق بن زياد، وانتهت عام 1492 بعد أن سلّمها أبو عبد الله الصغير.
كان فتح الأندلس بمثابة المحطة الأولى في القصة الطويلة التي امتدت نحو ثمانية قرون، وكان دخول الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل «صقر قريش» إلى البلاد، وتأسيسه الإمارة الأموية بها عام 756 ميلادية بمثابة المحطة الثانية، ثم كان إعلان عبد الرحمن الناصر تحويل الإمارة الأموية إلى خلافة عام 929 بمثابة المحطة الثالثة.. وقد امتدت حتى سقوط تلك الخلافة في قرطبة عام 1031.
في عام 1085 كانت المحطة الرابعة حيث سقطت أولى مدن الأندلس الكبرى من دون عودة، وهي طليطلة. وفي عام 1086 - بعد عام واحد - دخل المرابطون بزعامة يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين إلى الأندلس، وهزم الإسبان في «معركة الزلاقة» وكانت تلك هي المحطة الخامسة.
وفي عام 1130، كانت المحطة السادسة حين انتصر «الموحدون» على «المرابطين» بزعامة محمد تومرت الذي ادعى المهدية، وسحق جيش المرابطين في «معركة البحيرة». ثم كانت المحطة السابعة، حيث كان الزواج الجيوسياسي الذي أسرعَ بسقوط الأندلس، حين تزوج الملك فرديناند الخامس ملك أراغون من ابنة عمّه الملكة ايزابيلا ملكة قشتالة، لتتحدّ المملكتان في مملكة واحدة عام 1481، ثم بعد (11) عاماً جاءت المحطة الثامنة والأخيرة حين سقطت غرناطة آخر ما تبقى من الأندلس عام 1492.
هذا هو موجز تاريخ الأندلس، وإذا أردنا موجزاً للموجز، فإن تاريخ الأندلس الرئيس ينقسم إلى قسميْن: القسم الأول الدولة الأموية التي امتدت قرابة (300) عام، والقسم الثاني ملوك الطوائف والذي امتد أكثر من (400) عام.
لايزال عدد كبير من المثقفين والعوام يذرف الدموع على الأندلس، ذلك الفردوس المفقود، مع أن العالم الإسلامي يشمل نحو (60) دولة، ويمكن أن يبني (40) أو (50) أندلساً في ربوعه. فقد كانت النظرية العامة للأندلس تقوم على القوة الصلبة (العصر الأموي)، والقوة الناعمة (ملوك الطوائف).. كما كانت تقوم على التسامح الديني، والانفتاح الثقافي، وإنتاج نخبة رفيعة كابن حزم وابن رشد.. وهذا كله يمكن إعادته من جديد.
عبادة الماضي خطيئة، واستلهام دروبه فضيلة.. أنْ تبني فردوساً جديداً خيرٌ من أن تسكب الدموع على الفردوس المفقود.
*كاتب مصري