في عام 2023، بعد عامين فقط من الهجوم على مبنى الكابيتول الأميركي، اجتاح المتمردون البرازيليون الكونجرس والقصر الرئاسي والمحكمة العليا في برازيليا، لإلغاء نتائج الانتخابات التي فاز بها الرئيس «لويس إيناسيو لولا دا سيلفا»، من «حزب العمال» البرازيلي. وكما فعل الرئيس الأميركية المنتهية ولايته دونالد ترامب في عام 2021، ادعى الرئيس البرازيلي اليميني المنتهية ولايته جايير بولسونارو أنه تعرّض للسرقة في عام 2022.
إن أوجه التشابه بين مجتمعين منقسمين بشدة كانت عميقة. وقد اهتز كل منهما بسبب خيبة أمل ملايين الناخبين الذين شعروا بالحرمان من حقوق التصويت في ظل النظام الليبرالي الذي تديره نخبة حضرية عالمية متهمة بالفساد في كثير من الأحيان. وقد بدت البرازيل أكثر استقطاباً من الولايات المتحدة. وحصل ترامب على 46.9% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، بينما حصل بولسونارو على 49.1% في عام 2022.
ومع ذلك، وبعد عام واحد فقط من تجمهر الحشود المؤيدة لبولسونارو في الساحة العامة في برازيليا، لا يمكن أن تبدو آثار الاعتداءات الموازية على الديمقراطية مختلفة تماماً.
لقد أنشأ ترامب رابطةً تبدو غير قابلة للكسر مع ما يقرب من نصف الناخبين الأميركيين. فهو المرشح الأوفر حظاً لنيل ترشيح الحزب الجمهوري في مباراة العودة ضد جو بايدن في نوفمبر المقبل. وعلى النقيض من ذلك، لا يستطيع بولسونارو حتى الترشح لمنصب الرئاسة.
وبالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالقلق إزاء انجراف الولايات المتحدة مرة أخرى نحو كارثة سياسية، فالسؤال الذي يستحق أن يطرحوه هو: كيف تمكنت البرازيل من تجنب الكارثة؟ هل تقدم تجربة البرازيل دروساً قد تساعد في حماية الديمقراطية الأميركية من مرشح يرغب في القيام بكل ما يلزم لاستعادة قبضته على السلطة؟ لعل الجواب، للأسف، هو: لا.
أولاً؛ في البرازيل، تميل المحكمة العليا إلى اليسار. وتم تعيين معظم القضاة خلال إدارة «لولا» (الذي سبق أن تولّى الرئاسة من عام 2003 إلى عام 2011)، وخليفته من حزب العمال الرئيسة السابقة «ديلما روسيف».
وتتمتع البرازيل أيضاً بأدوات مؤسسية تفتقر إليها الولايات المتحدة للحفاظ على العملية الانتخابية. فالولايات المتحدة تفتقر إلى القانون البرازيلي الذي يمنع أيَّ شخص مدان بارتكاب جريمة كبرى مِن الترشح لمنصب الرئاسة لمدة ثماني سنوات. وبموجب القانون الأميركي، يمكن لترامب الترشح للرئاسة من السجن.
والأكثر من ذلك، هو أنه حتى قبل القبض على بولسونارو بتهمة التخطيط للقيام بانقلاب حقيقي، أدانت المحكمةُ الانتخابيةُ العليا، المكلَّفةُ بالإشراف على قانون الانتخابات، الرئيسَ السابقَ، العام الماضي، لادعائه كذِباً بأن نظام التصويت الإلكتروني في البرازيل تم تزويره.
لكن الولايات المتحدة تفتقر إلى وجود مثل هذه المحكمة، لأن الانتخابات عبارة عن مجموعة من الجهود التي تديرها الولايات. ولا تنظر المحكمة العليا إلا عندما تتعارض قواعد التصويت والقوانين الانتخابية مع القانون الفيدرالي أو الدستور نفسه.
ومع ذلك، فإن الاختلاف الأكثر أهميةً بين البرازيل والولايات المتحدة لا يتعلق بالمؤسسات السياسية للأولى، إذ كانت قادرة على تجاوز محاولة التمرد، وإعادة تأسيس توازن سياسي أكثر رزانةً، لأنه ليس لديها «الحزب الجمهوري» الذي في الولايات المتحدة!
ومن خلال دراسة الأدلة التي نتجت عن تلك الأشهر العاصفة التي أعقبت يوم الانتخابات في عام 2020، وجدت أستاذة العلوم السياسية في جامعة برينستون «فرانسيس لي»، الكثيرَ مما يستحق الثناء في الضوابط والتوازنات الأميركية. فرغم الفوضى التي أحدثها ترامب بعد خسارته، فقد صمد النظام بشكل جيد لفترة من الوقت وكان مدعوما بشعور «الجمهوريين» بالحفاظ على الذات السياسية.
ورَفضت محاكم الولاية الاتهامات المتنوعة المتعلقة بالمخالفات الانتخابية، المقدمة من معسكر ترامب. وقاومت المجالس التشريعية والمدعون العامون، في الولايات التابعة للحزب الجمهوري، الدعوات الرامية للحصول على أصوات إضافية.. ولم يرفض أحدٌ التصديق على الانتخابات. وأكد قادة الحزب الجمهوري بشكل لا لبس فيه شرعية انتخاب بايدن. 

وبعد عزل ترامب من قبل مجلس النواب، صوت «الجمهوريون» في مجلس الشيوخ ضد قرار الإدانة، لكن عندما تحسنت معدلات التأييد له في استطلاعات الرأي، تشبث الجمهوريون بغريزتهم في البقاء السياسي واستسلموا، وقدموا له الولاء الذي لا يتزعزع.
جميع ممثلي الحزب الجمهوري باستثناء 9، وجميع أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري باستثناء واحدة (سوزان كولينز - ماين)، وقد تم انتخابهم في عام 2020 عن المناطق التي يشغلها ترامب. وكما كتبت «لي»: «يحتاج الأعضاء إلى الحفاظ على ثقة ودعم الناخبين الذين يفتقرون إلى الثقة في نتائج انتخابات 2020 والذين، إذا أتيحت لهم الفرصة، قد يرغبون في انتخاب ترامب للرئاسة مرة أخرى».
ولم تكن البيئة السياسية في البرازيل ليظهر فيها هذا الاتجاه، لأنها ببساطة لا تتمتع بهذا النوع من التماسك. يوجد في البرازيل 28 حزباً في الكونجرس. من المعروف أن الأعضاء يقفزون من حزب إلى آخر. ويتم إجراء التحالفات بين الأحزاب في كل وقت.
لم يكن لدى بولسونارو هذا النوع من التأثير على قاعدته الانتخابية اللازمة. تقول «مونيكا دي بول»، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: «كانت قبضة بولسونارو على قاعدته أضعف بكثير من قبضة ترامب على قاعدته الانتخابية، لأن النظام السياسي البرازيلي أكثر انقساماً».
وبصرف النظر عن التخمين الجامح بأن العديد من الجمهوريين يرغبون في الخروج من قبضة الشعار «فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، والترجيح بأن تكون المحادثة السياسية أكثر إنتاجية إذا شعروا بالحماية من غضب الرئيس السابق، وكانوا أحراراً في عقد صفقة، ففي واقع الأمر، قد لا يتمتع ترامب بولاء ما يقرب من نصف الناخبين الأميركيين إذا كان بإمكانهم الاختيار من بين مجموعة من الأحزاب التي تمثل الغرب، والليبراليين، والزراعة، والجنوب، وما إلى ذلك.
ومع ذلك، ربما يكون من المبالغة الاعتقاد بأنه على الولايات المتحدة، أو يمكنها، أن تحاول بناء سياسة المعاملات الحرة للجميع التي تنتهجها البرازيل. ومن أجل الحفاظ على الديمقراطية الأميركية، ليس هناك خيار سوى أن تستعيد الطبقة السياسية «الجمهورية» شجاعتها. ويتعين على الحزبين اللذين يديران مؤسسات الدولة اللامركزية المسيّسة والفدرالية في الولايات المتحدة، أن يجدوا أن من مصلحتهم أو ربما إحساسهم بالواجب أن يلتزموا بموقفهم ويرفضوا التخلي عن الاستبداد.


ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»