بات الحديث عن الحرب النووية أكثر جديّة من أي وقت مضى، ولكن أخطار الحرب النووية لا تتعلق فقط بقرار جنوني من القادة السياسيين، بل يزداد الخطر لكوْن تلك الحرب واردة بطريق الخطأ أو سوء التقدير. وقد يكون الخطأ ناجماً عن عامل بشري أو إلكتروني، وقد يكون سوء التقدير ناجماً من التباس الموقف أو انعدام الثقة. وقد لا يكون الخطأ أو سوء التقدير، بل الانشقاق لقادة ميدانيين في يدهم إطلاق السلاح.
نتوقف في هذه السطور عند ضابطيْن أحدهما روسي، والثاني أميركي، كان لهما الدور الحاسم في إنقاذ العالم في مرتيّن: كانت البشرية فيهما على بعد دقائق من النهاية.. إنهما «باسيت» و«بيتروف».
في عام 1962 شهد العالم أزمة الصواريخ الكوبية، حيث نقل السوفييت صواريخ نووية إلى كوبا لتهديد الولايات المتحدة، ولمّا علمت واشنطن هدّد الرئيس جون كينيدي بقصفها، وبالتالي اندلاع حرب نووية، ما لم تقم موسكو بتفكيكها، ولحسن حظ العالم فقد انتهت الأزمة بسلام.
لكن واقعة صادمة حدثت قبل (10) ساعات فقط من الوصول لتسوية بين خروشوف وكينيدي، حيث تلقى قائد وحدة الصواريخ الاستراتيجية في القاعدة الأميركية في أكيناوا اليابانية أمراً بإلقاء (32) قنبلة نووية على (4) دول هي: الاتحاد السوفييتي والصين وكوريا الشمالية وفيتنام. وكان الضابط «باسيت» هو القائد الذي تلقى الأمر، ولكنه رفض تنفيذه.
رأى «باسيت» أن درجة الاستعداد لحرب نووية كانت عند المستوى (2) وليس (1)، والأمر غير واضح، ثم إنه يشمل (3) دول ليست جزءاً من أزمة الصواريخ الكوبية. ولما أراد أحد الضباط تنفيذ الأوامر وبدء القصف النووي، أمر «باسيت» ضباطاً يعملون في مكتبه بإطلاق النار على الضابط المذكور.
بعد ساعات انتهت الأزمة الكوبية، ولا معلومات حاسمة عمّن أعطى الأمر بإطلاق السلاح النووي!
بعد سنوات.. وفي عهد الرئيس رونالد ريجان، قامت واشنطن بعمل محاكاة لهجوم نووي على الاتحاد السوفييتي، وافترض البنتاجون أن موسكو ستفهم ذلك، وأنها مجرد محاكاة، وليست حرباً حقيقية.
ما إن بدأت المحاكاة النووية حتى تلقت موسكو تحذيراً آلياً من هجوم صاروخي أميركي على وشك الحدوث. وكان على «ستانسيلاف بيتروف» الضابط السوفييتي المسؤول عن مراقبة أجهزة الإنذار، أنّ يبلغ القادة في المستويات العليا، ولم يكن أمامهم سوى دقيقتين لاتخاذ قرار شنّ هجوم نووي على الغرب.
قرر الضابط بيتروف عدم القيام بذلك، ومنع حرباً نووية مؤكدة، فقد كان القادة سيأمرون بهجوم نووي فوري. وتم عقاب الضابط «بيتروف» على ذلك، وبعد التحقيق أُحيل للتقاعد!
لقد أنقذ «باسيت» العالم في الستينيات، وأنقذه بيتروف في الثمانينيات. ومن يدري هل سيكون هناك من ينقذه في المرة الثالثة أم لا.
إن ما هو معروف بشأن الشيفرة النووية والحقيبة النووية ليس مدعاةً للأمن المطلق. فقد سبق أن فقد الرئيس كلينتون الشيفرة النووية (4) أشهر، كما نسى المسؤول المختص معه حفظ الكود السري المعقد، وتفادى الرئيس المراجعات الروتينية للشيفرة أكثر من مائة يوم!
حين اخترع الإنسان السلاح النووي كان ذلك اختراعاً لنهاية العالم، وما لم يتم ضبط سباق التسلح النووي، لاسيما مع تطور الذكاء الاصطناعي، فإن العالم يمضي في طريقه نحو النهاية.
لا يزال إنقاذ العالم ممكناً، ولكننا في الدقيقة الأخيرة من المباراة.
*كاتب مصري