تتمحور ثقافة البحث العلمي حول مبدأ الفضول والتساؤل المستمرَّين، إذ يمثل الاستكشاف والتحقق ركيزة أساسية في هذا السياق. ولا تقتصر هذه الثقافة على فئة معينة من الأشخاص أو حَمَلة الشهادات العليا، بل تشمل جميع المهتمين بتوسيع آفاق المعرفة، وتعميق الفَهْم، من باب الثقافة العامة.
وفي هذا السياق يمكننا أن نتخيل ثقافة البحث العلمي حديقة مفتوحة للجميع، يتجوَّل فيها الفضوليون والباحثون بحثاً عن أفكار ومفاهيم جديدة، مستخدمين المناهج والأدوات المناسبة كأدوات الري لسقيها وتنميتها.
وبدلاً من كون ثقافة البحث العلمي نشاطاً مقتصراً على العلماء في المختبرات، فإنها تمتد إلى مختلف المجالات والمستويات، فمثلاً يمكن للطلاب في المدارس الثانوية البحث في الموارد المتاحة لديهم، والاستفادة منها في اكتشاف أسرار الطبيعة من حولهم، كما يمكن للمهنيين في مجالات مختلفة استخدام أساليب البحث لحل المشكلات التي تواجههم في عملهم اليومي.
وباختصار تُعد ثقافة البحث العلمي جسراً يربط بين الفضول والمعرفة، ويشجع على تبني منهجية منظمة ومدروسة في استكشاف العالم من حولنا، ما يسهم في تطوير المجتمع وتقدمه.
ويُعزِّز التركيز على البحث العلمي في مختلف المجالات، سواء في العلوم الطبيعية، أو الاجتماعية، الفَهْم العميق للتحديات التي تواجه البشرية، ويحدِّد السبل الفعَّالة لمواجهتها وحلها. ويُسهم حَث الفرد على الفضول والتساؤل المستمر في استكشاف المزيد، والتعمق في المعرفة، ما يؤدي في النهاية إلى تقدم البشرية، وتطوُّرها.
وإضافةً إلى ذلك تعمل ثقافة البحث العلمي على تعزيز الروح التعاونية والتفاعلية بين الأفراد والمؤسسات المختلفة، سواء داخل المجتمع المحلي، أو عبر الحدود الوطنية، فالتبادل المعرفي، والتجارب العلمية، يعززان التواصل الثقافي والتقارب بين الشعوب، ما يسهم في بناء جسور التفاهم، وتعزيز السلم والاستقرار العالميَّين.
ويسهم التركيز على ثقافة البحث العلمي في تعزيز قدرات الفرد على التفكير النقدي، وتقييم المعلومات على نحو أكثر فاعليَّةً، ما يساعد على بناء مجتمعات مستنيرة ومتقدمة، كما يشجع الاهتمام بالبحث العلمي على تنمية مهارات الإبداع والابتكار لدى الأفراد، وتعزيز الروح الريادية، ورغبتهم في تحقيق التغيير الإيجابي في محيطهم.
وانطلاقاً من هذه المبادئ أطلق «مجلس الإمارات للبحث والتطوير»، أخيراً، مبادرات حيوية ومهمة مثل البرنامج الوطني لقيادات البحث والتطوير، وذلك في إطار جهوده المستمرة لتعزيز منظومة البحث والتطوير في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتنفيذ الرؤية الاستراتيجية لتنمية القدرات تماشياً مع مستهدفات الأجندة الوطنية للبحث والتطوير.
وبهذه الطريقة يُعزز التفكير العلمي، والبحث المستمر، ثقافة الابتكار والتطوير المستمرين، ما يعزز قدرة المجتمعات على مواكبة التحولات السريعة في العالم المعاصر، وتحقيق التنمية المستدامة في المدى الطويل.
وفي نهاية المطاف يُعَد تشجيع ثقافة البحث العلمي، ودعمها، استثماراً في المستقبل، إذ يخلق جيلاً مبتكراً ومتفتحاً على الفكر والتقنية، وقادراً على التعامل بفاعليّة مع التحديات المستقبلية، وتحقيق التقدم والازدهار للإنسانية في مختلف المجالات.
* مستشار جمعية المهندسين الإماراتية