هدم علماء الفضاء صورة القمر لدى البشر.. قتلت «ناسا» الخيالَ، وهبط روّادها بأحذيتهم على بحر الجمال، ليعودوا بالحصى والحجارة.
والآن.. يواصل علماءُ الفضاء إعادةَ تعريف القمر خارج الرومانسية، وبعيداً عن قصائد الحالمين، وأهواء العاشقين.
يعمل العلماء على تطوير «خراسانة قمرية» مصنوعة من صخور وشظايا القمر، لبناء المنازل على سطحه، ويطور علماءٌ آخرون مفاعلاتٍ للطاقة، ومحطاتٍ للمياه، وجرافاتٍ للحفر، ومناجمَ للتعدين!
أصبح العلماءُ أكثرَ ثقةً في وجود مياه متجمدة في جنوب القمر، ويعملون على تطوير محطات مياه صغيرة، تقوم بإسالة الثلوج، وتنقية المياه، وتعبئتها، وذلك لخدمة أول «كمبوند قمري» يَجري العمل على إنشائه قريباً.
تقوم وكالة ناسا، بالتوازي مع دراسات المياه القمرية، بالعمل على صناعة مفاعل نووي صغير، يزن نحو (6) أطنان، ويُنتج (40) كيلو وات كهرباء، تكفي لتزويد (33) منزلاً لمدة (10) سنوات.
لن يحتاج المفاعل إلى مهندسين نوويين أو فنيين متخصصين، بل سيعمل دون الحاجة لأي تدخل بشري، إلى حين نقل مفاعلات أخرى، وإنشاء محطات طاقة شمسية على سطح القمر.
تعمل شركة أميركية في هيوستن على بناء «الكمبوند القمري» لصالح وكالة ناسا، وسترسل الشركةُ طابعةَ أبعاد ثلاثية عملاقة، وستجري الاستعانة بمواد بناء قمرية، وسيضمن تصميمُ المنزل الحمايةَ من النيازك والإشعاع ودرجات الحرارة المرتفعة.
في رحلة العودة التاريخية إلى القمر 2026، والمعروفة باسم «أرتيميس»، والتي هي استكمال لرحلة أبولو، سيتم إرسال (1000) بذرة زراعية لاختبار نجاحها هناك، وستضم البذور (5) أنواع من أشجار الجميز. وقبل أسابيع نجحت عملية إنبات شجرة قطن على متن مركبة فضائية هبطت 2023.
يذهب العلماء إلى ما هو أبعد من المياه والغذاء والطاقة والسكن، إذْ يجري الإعداد لخطط مدهشة لإطلاق عملية تعدين كبرى على القمر. وتدرس ناسا بجديّة استخراج كميات كبيرة من الذهب القمري، وتدرس وكالة الفضاء الأوروبية الحصول على عنصر «الهيليوم - 3»، وذلك لصناعة مفاعلات نووية اندماجية، من دون نفايات نووية أو إشعاع خطير، وحسب تقديرات أولية فإن في القمر (1) مليون طن من ذلك العنصر المهم. وأما شركة بوينج فقد درست إمكانية الحصول على مواد نادرة، لاستخدامها في صناعات تكنولوجية دقيقة، ليكون احتياطي القمر إنقاذاً لتراجع احتياطي الأرض.
وتذهب طموحات العلماء إلى أن يكون القمر بمثابة الممر لا المقر، وأن يصبح «ترانزيت فضائي» في الطريق إلى المريخ.
في أواخر السبعينيات حاولت القوى العظمى الفضائية إقرارَ قانون دولي يمنع ملكية أي دولة أو شركة أو فرد لأي مكان أو موارد على القمر، لكنها لم تصدق على ذلك. واليوم تسعى الدول لفرض سيطرتها هناك من دون أي إطار قانوني.
قد تنتقل علوم الأرض إلى الفضاء، لكن حماقات الأرض لن تترك العلومَ وحدها، فالجشع الإنساني يواصل الصعود إلى أسفل
لم يحلّ الإنسان أزمةَ المياه والغذاء والسكن والطاقة على الأرض، لكنه راح يحلّ الأزمة فوق القمر، وعند المريخ. وبدلاً من أن يكون البحث عن كوكب آخر لإقامة مدينة فاضلة، فإن مسار الذهاب إلى هناك لا يشي بذلك. 
وما لم يتمكن عقلاء العالم من ضبط المسار، فقد لا تكون نهاية الرحلة.. سوى نقل الشر من الأرض إلى الفضاء

*كاتب مصري