يعد استكشاف الفضاء أحد أعمق المساعي الإنسانية. والأشخاص هم الذين ينفذون المهام، مما يمكّن القيادة الأميركية من استكشاف الفضاء السحيق الذي كان مصدر إلهام للعالم. لكن الجمود في ميزانية الكونجرس والتخفيضات الأخيرة في الوظائف في برنامج الفضاء الأميركي جعلت بلادنا على حافة فقدان تلك القيادة.

في الأسبوع الماضي، فقد أكثر من 500 موظف في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا (JPL)، الرائد في استكشاف الفضاء الآلي، وظائفهم. عندما كنت طالبة جامعية، أتيحت لي فرصة غيَّرت حياتي للعمل مع بعض هؤلاء المهندسين، الذين يشغلون مركبات «سبيريت» و«أوبورتيونيتي»، وأنا أعمل حالياً مع آخرين في أثناء قيادة مهمة ناسا القمرية. بينما كان هؤلاء الزملاء المدربون والمبدعون في مختبر الدفع النفاث ينتظرون تسريح العمال مع إغلاق مراكز العمليات، ربما كانت المركبتان الجوالتان «كيوريوسيتي» و«بيرسيرفانس» على سطح المريخ تتساءلان عن سبب عدم اتصال الأرض هاتفياً لإجراء ملاحظات علمية جديدة في ذلك اليوم. وفي الوقت نفسه، في الأسبوع الماضي أيضاً، قامت وكالة الفضاء الصينية بنقل القمر الصناعي «تشيويه تشياو-2 – ريلاي» ليستعد للإطلاق لدعم أول إنجاز للإنسانية - عودة عينة من الجانب البعيد من القمر - كجزء من الحملة الصينية لاستكشاف القمر والمريخ. ويجب ألا يكون برنامج الفضاء الأميركي في هذا الموقف.

نشأت عمليات تسريح العمال في مختبر الدفع النفاث وإعادة التعيين هذا الشتاء في مراكز ناسا الأخرى وشركاء صناعة الفضاء في جميع أنحاء البلاد نتيجة لمأزق معقد في الميزانية بين مجلسي النواب والشيوخ حول أولويات التمويل. رداً على ذلك، اختارت ناسا تقليص نفقاتها تحسباً لخسارة التمويل. أدت هذه الخطوة بدورها إلى إحداث فجوة تزيد على 500 مليون دولار في ميزانية استكشاف النظام الشمسي مع بدء السنة المالية. ومع اتساع الفجوة، اندلعت المنافسات حول التمويل المتبقي. وهذا لا يليق ببرنامج الفضاء الأميركي، وهو جوهرة أمتنا. إن أي تعطيل في استكشاف الولايات المتحدة للفضاء العميق ليس له معنى في الوقت الذي يوفر فيه هذا المجال الآن فرصاً أكثر إثارة مما كان عليه منذ الستينيات ومنذ برنامج أبولو، مع وجود المزيد من اللاعبين في جميع أنحاء العالم.

تزدهر صناعة الفضاء الخاصة في المدار الأرضي المنخفض. وقد قامت العديد من البرامج الدولية بمهام ناجحة في الفضاء السحيق: اليابان وكوريا والهند والإمارات العربية المتحدة وأوروبا والصين. وفي 2017، أنشأت وكالة ناسا برنامج أرتميس لنقل البشر إلى القمر والمريخ، وقد استمر هذا البرنامج من خلال تغيير الإدارة. يقدم تلسكوب جيمس ويب الفضائي بيانات مذهلة، وأوصى مجتمع علم الفلك بتلسكوب فضائي جديد للعثور على عوالم شبيهة بالأرض تدور حول نجوم أخرى. وفي عام 2022، أكملت الأكاديميات الوطنية مسحاً عقدياً جديداً لعلوم الكواكب والأحياء الفلكية، مما يوفر خطة طموحة ومتوازنة وقابلة للتنفيذ مدتها عشر سنوات لاستكمال المهام إلى أوروبا وتيتان والقمر والزهرة، بالإضافة إلى بدء مهمة جديدة: مهمة إعادة العينات المريخية، ومركبة أورانوس وتسابق البعثات لأي وجهة في النظام الشمسي. لقد كان لي شرف العمل مع أكثر من 100 من علماء ومهندسي الكواكب الذين أخذوا مدخلات من الآلاف من زملائنا لصياغة تلك الخطة العشرية لاستمرار قيادة الولايات المتحدة في علوم الفضاء.

ولكنني أرى الآن أن هذه القيادة معرضة لخطر التعثر. تحتاج الأمة إلى أن يتصرف قادتنا برؤية ثابتة، وأن يحافظوا على قوة الإرادة لتنفيذ الخطط طويلة المدى، حتى لو كانت الأوقات صعبة. ونتطلع أنا وزملائي إلى وكالة ناسا للوقوف مع العلم ومع توصيات مهمة الأكاديميات الوطنية. وللحفاظ على الريادة في مجال الفضاء، نسعى إلى أن يمول الكونجرس مديرية المهام العلمية التابعة لناسا بمستويات السنة المالية 2024 المخططة في ميزانية الرئيس، أو على الأقل على مستويات السنة المالية 2023 التي لا تزال مستمرة. نحن بحاجة أيضاً إلى أن يتبنى قادة أمتنا كلاً من الاستكشاف البشري والاستكشاف الآلي، وأن يقاوموا التحريض ضد بعضهم بعضاً، كما هو الحال في مأزق الميزانية الحالي. فكل منهما يفيد الآخر. سيكون العلم الذي أنجزه البشر على القمر والمريخ استثنائياً.

سيستفيد التخطيط لإرسال البشر إلى المريخ بشكل كبير من بيانات أداء الطيران الهندسي. إن المعلومات التي قدمها الإطلاق الأول لمركبة مهمة إعادة العينات المريخية في أثناء صعود صاروخها عبر الغلاف الجوي الرقيق للمريخ وأخذ عينات من الغبار المريخي الذي يحتمل أن يكون خطيراً، ستسمح لنا بفهم كيفية حماية رواد الفضاء منه. يعد برنامجا «أرتيميس» و«مهمة إعادة العينات المريخية» بمثابة ركيزتين أساسيتين للقيادة الأميركية في استكشاف الفضاء. تتطلب هذه القيادة التطوير المستمر للمهمة العلمية «مهمة إعادة العينات المريخية» ذات الأولوية القصوى على نطاق زمني يحافظ على مجموعة مهام قوية ومتوازنة، ويضمن تمكن رواد فضاء أرتميس من الهبوط بأمان على القمر.

يتم إنفاق كل دولار للبعثات الفضائية هنا على الأرض في وظائف عالية التقنية، تعزز قدرتنا التنافسية التكنولوجية، وتوفر معرفة دائمة لأجيال. نحن نستكشف لأننا نريد أن نعرف: «كيف وصلنا إلى هنا؟» و«هل نحن وحدنا؟» ولأنه، كما قال الرئيس جون كينيدي، من الجيد لمجتمعنا أن يفعل أشياء صعبة. نحن نظهر للعالم ما يمكن أن تفعله البراعة الأميركية، ونتعاون مع الدول الأخرى في مهام استكشاف سلمية تربط ثقافاتنا. نحن أيضا نثير اهتمام الأطفال بالعلوم والهندسة والاستكشاف، وما يمكن تحقيقه من خلال العمل معاً. في عام 2024، يحتاج قادتنا إلى الاتحاد، ودعم القوى العاملة في مجال الفضاء، وإظهار قوة الإرادة للمضي قدماً حتى تتمكن أميركا من مواصلة قيادة العالم في استكشافنا للكون.

  • أستاذة علوم الكواكب، مديرة معهد كيك لدراسات الفضاء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، رئيسة مجلس إدارة جمعية الكواكب.
  • ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»