يمثّل عام 1988 مفارقة كبرى بين الشرق والغرب. ففي ذلك العام كانت الخطوة الأولى في بناء تنظيم «القاعدة»، وفي العام نفسه تم إنشاء أول خط انترنت عابر للقارات بين الولايات المتحدة وأوروبا، ومعه انطلق أول تطبيق للدردشة عبر الإنترنت، كما نوقشت للمرة الأولى فكرة «الشبكة العنكبوتية» العالمية في مختبر «سيرن» الأوروبي، والذي يعدّ أضخم مختبر في العالم في فيزياء الجسيمات.
وهكذا توازى انطلاق عصر الإنترنت في العالم الغربي مع انطلاق تنظيم «القاعدة» في العالم الإسلامي.
توالت في العقود التالية طبقات الظلام في العالم الإسلامي، حتى أسست جغرافيا موازية.. تمتدّ من «طالبان» شرقاً إلى «بوكو حرام» غرباً، ومن «داعش» شمالاً إلى «القاعدة» جنوباً. لاحقاً انقسم تنظيم القاعدة، وخرج من بين فروعه تنظيم «داعش»، والذي أعلن تأسيس دولته بمناطق في سوريا والعراق عام 2014.
في عام 2017 انهزم «داعش» في العراق، وفي عام 2019 انهزم في سوريا، وفي عام 2024 يريد التنظيم العودة بقوة في الذكرى العاشرة لإعلان خلاقته المزعومة. أخذ «الإرهاب» من «الإنترنت» «رفيق دربه» منذ العام الأول التعبئة والتجنيد، وأصبح العمل عبر الإنترنت هو الأساس في موجات دمّ لا تنقطع من الهندي إلى الأطلسي.
كان لا بد للعالم الإسلامي من أن ينهض بذاته على بناء رؤية عسكرية وفكرية لمجابهة ذلك التحدي الكبير. لقد تم قطع أشواط طويلة على هذا الطريق، وفي عام 2015 تأسس «التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب» بقيادة المملكة العربية السعودية، والذي ضم مصر والإمارات وتركيا وماليزيا وأكثر من ثلاثين دولة إسلامية. وفي فبراير 2024 افتتح وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان الاجتماع الثاني لمجلس وزراء دفاع دول التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، في العاصمة السعودية الرياض.
كان دمج الجهود الفكرية مع الجهود الإعلامية، وموازاة العمل العسكري بسياسات تجفيف منابع التمويل.. بمثابة رؤية مهمة للغاية، ذلك أن المواجهة العسكرية وحدها لا تكفي، وإنما تكون المواجهة ذات طبيعة شاملة، تحاصر العدو، ولا تترك له منفذاً فكرياً ونوافذ إعلامية يواجه بها الضغوط العسكرية.
كما أن الإطار التنظيمي المرن للتحالف، ووضع التعاون والتنسيق في إطار احترام سيادة الدول الأعضاء، ووضع هدف حماية الدولة الوطنية في العالم الإسلامي غاية كبرى لمحاربة الإرهاب، قد ساعد في تعزيز عمل التحالف على مدى عقد كامل من الزمان. حظى التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب بتأييد «منظمة التعاون الإسلامي»، والأزهر الشريف، و«مجلس حكماء المسلمين» في أبوظبي.
حسب موقع سكاي نيوز عربية فإنّ الإرهاب أصبح أشدّ فتكاً بنسبة (50%) عام 2022، وعلى وجه العموم - طبقاً لمؤشر الإرهاب العالمي - فإن الإرهاب تضاعف (2000%) في (15) عاماً.
يريد الإرهاب أن يدفع العالم الإسلامي نحو ثقب أسود يبتلع كل شيء، ويطرح التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب مربعاً أساسياً للمواجهة: فكرياً وإعلامياً ومالياً وعسكرياً.
إذا كانت بعض المعركة ضد الإرهاب مسئولية العالم، فإن أغلب المعركة تكمن في معادلة لا بديل عنها: حماية المسلمين بالمسلمين.

*كاتب مصري