الأسبوع الماضي، صُدم الكثيرون في واشنطن، وعن حق، بمزاعم تفيد بأن 12 موظفاً تابعا للأمم المتحدة في غزة شاركوا في الهجوم الإرهابي الذي شنته حركة «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر. غير أن رد فعل إدارة بايدن المتسرع بتعليق المساعدات الغذائية والصحية الحيوية للفلسطينيين عبر المنظمة سيؤدي إلى تعميق معاناتهم، وتقويض الأهداف الأميركية طويلة المدى، وإلقاء مزيد من العبء على حلفاء يعانون أصلاً الصعوبات. باختصار، إنها سياسة غير إنسانية وخاطئة استراتيجياً.
يوم الاثنين الماضي، تكشفت مزيد من التفاصيل حول الأدلة التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية بخصوص الأفعال المزعومة لهؤلاء الموظفين في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين («الأونروا»). إذ تزعم إسرائيل أن عدداً من موظفي الأونروا شاركوا في أعمال عنف واختطاف إسرائيليين، بل وأنهم استخدموا في ذلك مركبات الأونروا ومنشآتها. وقالت الأونروا إن اثنين من المتهمين ماتا، فيما تم فصل الآخرين بينما تُجري الأمم المتحدة تحقيقاً كاملا في الموضوع. 
ويوم الجمعة، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي «جون كربي» إنه يجب معاقبة أعمال بعض موظفي الأونروا، و«لكن هذا لا يطعن في المنظمة بأكملها». غير أن وزارة الخارجية لم تنتظر نتائج التحقيق قبل أن تعلن الجمعة أنها «أوقفت مؤقتاً» أي تمويل إضافي للأونروا، معترفةً في الوقت نفسه بأن المنظمة «تلعب دوراً أساسياً في توفير مساعدات منقذة للحياة للفلسطينيين». 
وقد حذت 9 بلدان حذو الولايات المتحدة. هذا في حين أعلنت المفوضية الأوروبية أنها لن تتخذ أي إجراء حتى تتوافر لديها كل الحقائق والمعطيات. ورغم أن وزارة الخارجية الأميركية قالت إنها ستواصل صرف الأموال التي التزمت بها سابقاً، إلا أن آثار الإعلان على المنظمة كانت مدمرة. وفي هذا السياق، قال رئيس الأونروا، فيليب لازاريني، يوم السبت إن برنامج المنظمة داخل غزة، حيث تقوم بدعم مليوني شخص يائس، «أخذ ينهار» بسبب الخفض الوشيك للمساعدات، والذي وصفه بأنه «عقاب جماعي إضافي».
وحتى نكون واضحين، فإن أياً من موظفي الأونروا ثبت ارتكابه أعمالاً إرهابية، أو جرائم أخرى في 7 أكتوبر لا يستحق أي حماية أو رأفة. ومما لا شك فيه أن الأونروا لديها أسئلة كبيرة لتجيب عنها حول هذا الأمر وحالات أخرى، حيث يبدو أن بعضاً من موظفيها البالغ عددهم 13 ألفاً في غزة يدعمون العنف ضد الإسرائيليين، غير أن تصرفات إدارة بايدن ليست قاسية فحسب، وإنما ستكون لها أيضاً تداعيات مضاعفة ستزيد من صعوبة وتعقيد كل مشاكل الشرق الأوسط.
وفي هذا الصدد، قال وائل الزيات، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية «إن تعليق المساعدات قبل إكمال التحقيق أمر كارثي من وجهة نظر إنسانية واستراتيجية»، مضيفاً: «هناك ملايين الأشخاص الذين يعتمدون على هذه المساعدات ومعظمهم من الأطفال، ومن غير الإنساني حرمانهم من ذلك في وقت ما زالت تتساقط فيه القنابل عليهم، كما أنه من الناحية الاستراتيجية، يضع إنهاء المساعدات ضغوطاً على كل بلد يستضيف اللاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك حلفاء مهمون مثل الأردن.
وتُعد الأونروا أكبر مزوّد للمدنيين بالخدمات الغذائية والصحية في غزة، حتى الآن. ووفقاً للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فإن ما يناهز 1.4 مليون من المدنيين النازحين داخلياً في غزة، والبالغ عددهم 1.9 مليون لجأوا إلى مواقع تابعة للأونروا، فيما يعتمد 400 ألف آخرون على مساعدات الأونروا. كما تقوم الأونروا بتشغيل مدارس مكتظة وعيادات صحية تعاني جملة من الصعوبات، وتساعد على توصيل المواد الغذائية ومنتجات النظافة التي تصل إلى غزة بكميات قليلة من مصر. وكانت الأونروا تواجه أصلاً نقصاً في التمويل يقدر بحوالي 500 مليون دولار، لتلبية احتياجاتها بخصوص مساعدة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. ويذكر هنا أن أكثر من 140 من موظفي الأونروا قُتلوا في غزة منذ بدء الحرب.
وفضلاً عن ذلك، فإن قطع المساعدات من الممكن أن يؤدي أيضاً إلى إضعاف جهود الأونروا الحالية لدعم ثلاثة ملايين فلسطيني إضافي يعيشون في الأردن ولبنان وسوريا. هؤلاء اللاجئون يتلقون الدعم من الأمم المتحدة منذ عقود، والعديد منهم ينحدرون من الفلسطينيين الذين غادروا إسرائيل قسراً بعد 1948. ولكن الحكومة الإسرائيلية لطالما سعت إلى تجريد هؤلاء الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين، والذي يربطه الفلسطينيون بحقهم في العودة إلى إسرائيل.
وفي حال توقفت قدرة الأونروا على أداء مهامها، فإن الحكومات في تلك البلدان، وخاصة الأردن، ستجد نفسها مضطرة لتحمل المسؤولية بمفردها. وهو ما يعني أن إدارة بايدن تضع مزيداً من العبء على الشركاء الإقليميين الذين يتعاملون أصلاً مع مخاطر إضافية، وعدم الاستقرار المترتب عن تزايد العنف الإقليمي. 
وقد يكون فريق بايدن تصرف بسرعة من أجل قطع الطريق على أي انتقاد سياسي لدعمه السابق للأونروا خلال سنة انتخابية. غير أن ذلك لن يهدئ منتقدي بايدن، وثمنه هو تقويض ما تقوله الإدارة لمؤيديها من أنها تكترث لمحنة الفلسطينيين. 
في وقت سابق من هذا الشهر، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن إدارة بايدن «عاقدة العزم على بذل كل ما في وسعنا من أجل تحسين الوضع بالنسبة للرجال والنساء والأطفال في غزة»، غير أن ما قام به الآن في الحقيقة هو سحب كل وسائل الدعم والمساعدة المتاحة لسكان غزة من أجل الحصول على الغذاء والدواء الحيويين وسط كارثة إنسانية تاريخية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»